للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم قال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) أي: إن كنتم تزعمون أنكم على هدى، وأن محمدا وأصحابه على ضلالة، فادعوا بالموت على الضال من الفئتين (إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) فيما تزعمونه.

قال الله تعالى: (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) أي: بما يعملون لهم (١) من الكفر والظلم والفجور، (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) وقد قدمنا في سورة "البقرة" الكلام على هذه المباهلة لليهود، حيث قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: ٩٤ - ٩٦] وقد أسلفنا الكلام هناك وبينا أن المراد أن يدعوا على الضال (٢) من أنفسهم أو خصومهم، كما تقدمت مباهلة النصارى في آل عمران: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ [آل عمران: ٦١] ومباهلة المشركين في سورة مريم: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا﴾ [مريم: ٧٥]

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن يزيد الرقي أبو يزيد، حدثنا فرات، عن (٣) عبد الكريم بن مالك الجزري، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال أبو جهل لعنه الله: إن رأيتُ محمدا عند الكعبة لآتينَّه حتى أطأ على عُنُقه. قال: فقال رسول الله : "لو فعل لأخذَته الملائكة عيانًا، ولو أن اليهود تَمَنَّوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من (٤) النار. ولو خرج الذين يُباهلون رسول الله لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا.

رواه البخاري والترمذي، والنسائي، من حديث عبد الرزاق عن معمر، عن عبد الكريم، [به] (٥) (٦) قال البخاري: "وتبعه (٧) عمرو بن خالد، عن عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم". ورواه النسائي، أيضا عن عبد الرحمن بن عبد الله الحلَبِي، عن عبيد الله بن عمرو الرقي، به أتم (٨)

وقوله تعالى: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) كقوله تعالى في سورة النساء: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: ٧٨]

وفي معجم الطبراني من حديث معاذ محمد بن محمد الهذلي، عن يونس، عن الحسن، عن سَمُرَة مرفوعا: "مثل الذي يفر من الموت كمثل الثعلب تطلبه الأرض بدين، فجاء يسعى حتى إذا أعيا وانبهر دخل جحره، فقالت له الأرض: يا ثعلب ديني. فخرج له حُصَاص، فلم يزل كذلك حتى


(١) في أ: "هم".
(٢) في م: "الضلال".
(٣) في م: "بن".
(٤) في أ: "في".
(٥) زيادة من أ.
(٦) المسند (١/ ٢٤٨) وصحيح البخاري برقم (٤٩٥٨) وسنن الترمذي برقم (٣٣٤٨) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٦٨٥).
(٧) في م، أ: "وتابعه".
(٨) سنن النسائي الكبرى برقم (١١٠٦١).