للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْأَثِيمُ أَيْ: فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، وَهُوَ الْكَافِرُ. وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ أَبُو جَهْلٍ، وَلَا شَكَّ فِي دُخُولِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَكِنْ لَيْسَتْ خَاصَّةً بِهِ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ (١) عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنْ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ يُقْرِئُ رَجُلًا {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأثِيمِ} فَقَالَ: طَعَامُ الْيَتِيمِ فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ قُلْ: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْفَاجِرِ. أَيْ: لَيْسَ لَهُ طَعَامٌ غَيْرُهَا.

قَالَ مُجَاهِدٌ: وَلَوْ وَقَعَتْ مِنْهَا قَطْرَةٌ فِي (٢) الْأَرْضِ لَأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ مَعَايِشَهُمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَحْوُهُ مَرْفُوعًا.

وَقَوْلُهُ: {كَالْمُهْلِ} قَالُوا: كَعَكَرِ الزَّيْتِ {يَغْلِي فِي الْبُطُونِ. كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} أَيْ: مِنْ حَرَارَتِهَا وَرَدَاءَتِهَا.

وَقَوْلُهُ: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ} أَيْ: [خُذُوا] (٣) الْكَافِرَ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ تَعَالَى إِذَا قَالَ لِلزَّبَانِيَةِ {خُذُوهُ} ابْتَدَرَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْهُمْ.

{فَاعْتِلُوهُ} أَيْ: سُوقُوهُ سَحْبًا وَدَفْعًا فِي ظَهْرِهِ.

قَالَ مُجَاهِدٌ: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ} أَيْ: خُذُوهُ فَادْفَعُوهُ.

وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:

لَيسَ الكِرَامُ بِنَاحِلِيكَ أَبَاهُمُ ... حَتَّى تُرَدَّ إِلَى عَطيَّة تُعْتَلُ (٤) (٥)

{إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ} أَيْ: وَسَطِهَا.

{ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ} كَقَوْلِهِ {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ. يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} [الْحَجِّ: ١٩، ٢٠] .

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَلَكَ يَضْرِبُهُ بِمِقْمَعَةٍ مِنْ حَدِيدٍ، تَفْتَحُ (٦) دِمَاغَهُ، ثُمَّ يُصَبُّ الْحَمِيمُ عَلَى رَأْسِهِ فَيَنْزِلُ فِي بَدَنِهِ، فَيَسْلِتُ مَا فِي بَطْنِهِ مِنْ أَمْعَائِهِ، حَتَّى تَمْرُقَ (٧) مِنْ كَعْبَيْهِ -أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} أَيْ: قُولُوا لَهُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّهَكُّمِ وَالتَّوْبِيخِ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ لَسْتَ بِعَزِيزٍ وَلَا كَرِيمٍ.

وَقَدْ قَالَ (٨) الْأُمَوِيُّ فِي مُغَازِيهِ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا جَهْلٍ -لَعَنَهُ اللَّهُ-فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ لَكَ: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى. ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [الْقِيَامَةِ: ٣٤، ٣٥] قَالَ: فَنَزَعَ ثَوْبَهُ مِنْ يَدِهِ (٩) وَقَالَ: مَا تَسْتَطِيعُ لِي أَنْتَ وَلَا صَاحِبُكَ مِنْ شَيْءٍ. وَلَقَدْ عَلِمْتَ أَنِّي أَمْنَعُ (١٠) أَهْلِ الْبَطْحَاءِ، وَأَنَا الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ. قَالَ: فَقَتَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ بَدْرٍ وَأَذَلَّهُ وَعَيَّرَهُ بِكَلِمَتِهِ، وَأَنْزَلَ: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} (١١) .

وَقَوْلُهُ: {إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} ، كَقَوْلِهِ {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا. هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور: ١٣ -١٥] ،


(١) في ت: "وروى ابن جرير بإسناده".
(٢) في ت: "على".
(٣) زيادة من ت.
(٤) في أ: "مقتل".
(٥) البيت في تفسير الطبري (٢٥/٨٠) .
(٦) في أ: "فيفتح".
(٧) في أ: "يمزق".
(٨) في ت: "روى".
(٩) في ت، أ: "بدنه".
(١٠) في ت: "أني من أمنع".
(١١) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٧/٤١٨) وهو مرسل.

<<  <  ج: ص:  >  >>