للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذلك الذنب بعد ذلك لا يكون ذلك ضارًا في تكفير ما تقدم، لعموم قوله، : "التوبة تجب ما قبلها؟ ". وللأول أن يحتج بما ثبت في الصحيح أيضًا: "مَن أحسنَ في الإسلام لم يُؤاخَذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر" (١) فإذا كان هذا في الإسلام الذي هو أقوى من التوبة، فالتوبة بطريق الأولى، والله أعلم. وقوله: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ) و (عَسَى) من الله موجبة، (يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) أي: ولا يخزيهم معه يعني: يوم القيامة، (نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ) كما تقدم في سورة الحديد.

(يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) قال مجاهد، والضحاك، والحسن البصري وغيرهم: هذا يقوله المؤمنون حين يَرَون يوم القيامة نورَ المنافقين قد طفِئ.

وقال محمد بن نصر المروزي: حدثنا محمد بن مقاتل المروزي، حدثنا ابن المبارك، أخبرنا ابن لَهِيعة، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، أنه سمع أبا ذر وأبا الدرداء قالا قال رسول الله : "أنا أول من يؤذن له في السجود يوم القيامة، وأول من يؤذن له برفع رأسه، فأنظرُ بين يَدَيّ فأعرف أمتي من بين الأمم، وأنظر عن يميني فأعرف أمتي من بين الأمم، وأنظر عن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم". فقال رجل: يا رسول الله، وكيف تعرف أمتك من بين الأمم. قال: "غُرٌّ مُحجلون من آثار الطُّهور (٢) ولا يكون أحد من الأمم كذلك غيرهم، وأعرفهم أنهم يؤتَون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم" (٣).

وقال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، حدثنا ابن المبارك، عن يحيى بن حسان، عن رجل من بني كنانة قال: صليت خلف رسول الله عام الفتح، فسمعته يقول: "اللهم، لا تخزني يوم القيامة" (٤).

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٩) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠)

يقول تعالى آمرًا رسوله بجهاد الكفار والمنافقين، هؤلاء بالسلاح والقتال، وهؤلاء بإقامة


(١) صحيح البخاري برقم (٦٩٢١) وصحيح مسلم برقم (١٢٠) من حديث عبد الله بن مسعود، .
(٢) في م: "الوضوء".
(٣) تعظيم قدر الصلاة برقم (٢٦١) ورواه أحمد في المسند (٥/ ١٩٩) من هذا الطريق -طريق ابن المبارك- وعن حسن، عن ابن لهيعة به نحوه، قال المنذري في الترغيب والترهيب (١/ ١٥١): "رواه أحمد، وفي إسناده ابن لهيعو، وهو حديث في المتابعات". وهو هنا من رواية ابن المبارك وهي رواية صحيحه.
(٤) المسند (٤/ ٢٣٤)