للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَيْ: مَا ثَمَّ إِلَّا هَذِهِ الدَّارُ، يَمُوتُ قَوْمٌ وَيَعِيشُ آخَرُونَ وَمَا ثَمَّ مَعَادٌ وَلَا قِيَامَةٌ وَهَذَا يَقُولُهُ مُشْرِكُو (١) الْعَرَبِ الْمُنْكِرُونَ لِلْمَعَادِ، وَيَقُولُهُ الْفَلَاسِفَةُ الْإِلَهِيُّونَ مِنْهُمْ، وَهُمْ يُنْكِرُونَ الْبُدَاءَةَ (٢) وَالرَّجْعَةَ، وَيَقُولُهُ الْفَلَاسِفَةُ الدَّهْرِيَّةُ الدَّوْرِيَّةُ الْمُنْكِرُونَ لِلصَّانِعِ الْمُعْتَقِدُونَ أَنَّ فِي كُلِّ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ سَنَةٍ يَعُودُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا قَدْ تَكَرَّرَ مَرَّاتٍ لَا تَتَنَاهَى، فَكَابَرُوا الْمَعْقُولَ (٣) وَكَذَّبُوا الْمَنْقُولَ، وَلِهَذَا قَالُوا (٤) {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ} أَيْ: يَتَوَهَّمُونَ وَيَتَخَيَّلُونَ.

فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ صَاحِبَا الصَّحِيحِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الْأَمْرُ، أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ" (٥) وَفِي رِوَايَةٍ: "لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ" (٦) .

وَقَدْ أَوْرَدَهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِسِيَاقٍ غَرِيبٍ جِدًّا فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّمَا يُهْلِكُنَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَهُوَ الَّذِي يُهْلِكُنَا، يُمِيتُنَا وَيُحْيِينَا، فَقَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} قَالَ: "وَيَسُبُّونَ الدَّهْرَ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ" (٧) .

وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ شُرَيْح بْنِ النُّعْمَانِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ مِثْلَهُ: ثُمَّ رُوِيَ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَسُبُّ ابْنُ آدَمَ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ".

وَأَخْرَجَهُ (٨) صَاحِبَا الصَّحِيحِ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ زَيْدٍ، بِهِ (٩) .

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ: اسْتَقْرَضْتُ عَبْدِي فَلَمْ يُعْطِنِي، وسَبّنِي عَبْدِي، يَقُولُ: وَادَهْرَاهُ. وَأَنَا الدَّهْرُ" (١٠) .

قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ": كَانَتِ الْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا إِذَا أَصَابَهُمْ شِدَّةٌ أَوْ بلاء أو نكبة، قالوا: يا


(١) في أ: "منكرو".
(٢) في أ: "البداوة".
(٣) في ت، أ: "وكابروا العقول".
(٤) في ت، أ: "قال".
(٥) صحيح البخاري برقم (٤٨٢٦) وصحيح مسلم برقم (٢٢٤٦) وسنن أبي داود برقم (٥٢٧٤) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٦٨٧) .
(٦) صحيح مسلم برقم (٢٢٤٦) .
(٧) تفسير الطبري (٢٥/٩٢) .
(٨) في ت: "أخرجاه" وهو خطأ، والصواب: "أخرجه"؛ حتى لا يجتمع عاملان على معمول واحد.
(٩) صحيح البخاري برقم (٦١٨١) وصحيح مسلم برقم (٢٢٤٦) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٦٨٦) .
(١٠) رواه الطبري في تفسيره (٢٥/٩٢) من طريق سلمة عن محمد بن إسحاق به، وخالفه يزيد بن هارون، فرواه عن محمد ابْنَ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هريرة، به وأخرجه الحاكم في المستدرك (٢/٤٥٣) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم".

<<  <  ج: ص:  >  >>