للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم قال تعالى منبهًا على أنه مطلع على الضمائر والسرائر: (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) أي: بما خطر في القلوب.

(أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ)؟ أي: ألا يعلم الخالق. وقيل: معناه ألا يعلم الله مخلوقه؟ والأول أولى، لقوله: (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)

ثم ذكر نعمته على خلقه في تسخيره لهم الأرض وتذليله إياها لهم، بأن جعلها قارة ساكنة لا تمتد (١) ولا تضطرب (٢) بما جعل فيها من الجبال، وأنبع فيها من العيون، وسلك فيها من السبل، وهيأها فيها من المنافع ومواضع الزروع والثمار، فقال: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا) أي: فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات، واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئًا، إلا أن ييسره الله لكم؛ ولهذا قال: (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) فالسعي في السبب لا ينافي التوكل، كما قال الإمام أحمد:

حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا حَيْوَة، أخبرني بكر بن عمرو، أنه سمع عبد الله بن هُبَيْرة يقول: إنه سمع أبا تميم الجَيشاني يقول: إنه سمع عمر بن الخطاب يقول: إنه سمع رسول الله يقول: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تَغْدُو خِمَاصًا وتَرُوح بِطَانًا".

رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث ابن هبيرة (٣) وقال الترمذي: حسن صحيح. فأثبت لها رواحا وغدوا لطلب الرزق، مع توكلها على الله، ﷿، وهو المسَخِّر المسير المسبب. (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) أي: المرجع يوم القيامة.


(١) في أ: "لا تميد".
(٢) في م: "لا تضطرب ولا تميد".
(٣) المسند (١/ ٣٠) وسنن الترمذي برقم (٢٣٤٤) وسنن ابن ماجة برقم (٤١٦٤).