قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي:(مَنَاكِبِهَا) أطرافها وفجاجها ونواحيها. وقال ابن عباس وقتادة:(مَنَاكِبِهَا) الجبال.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عمرو بن حكام الأزدي، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن بشير بن كعب: أنه قرأ هذه الآية: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا) فقال لأم ولد له: إن علمت (مَنَاكِبِهَا) فأنت عتيقة. فقالت: هي الجبال. فسأل أبا الدرداء فقال: هي الجبال.
وهذا أيضًا من لطفه ورحمته بخلقه أنه قادر على تعذيبهم، بسبب كفر بعضهم به وعبادتهم معه غيره وهو مع هذا يحلم ويصفح، ويؤجل ولا يعجل، كما قال: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾ [فاطر: ٤٥].
وقال هاهنا:(أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) أي: تذهب وتجيء وتضطرب، (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا) أي: ريحا فيها حصباء تدمغكم، كما قال: ﴿أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا﴾ [الإسراء: ٦٨]. وهكذا توعدهم هاهنا بقوله:(فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) أي: كيف يكون إنذاري وعاقبة من تخلف عنه وكذب به.
ثم قال:(وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي: من الأمم السالفة والقرون الخالية، (فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) أي: فكيف كان إنكاري عليهم ومعاقبتي لهم؟ أي: عظيمًا شديدًا أليمًا.
ثم قال تعالى:(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) أي: تارة يصففن أجنحتهن في الهواء، وتارة تجمع جناحًا وتنشر جناحًا (مَا يُمْسِكُهُنَّ) أي: في الجو (إِلا الرَّحْمَنُ) أي: بما سخر لهن من الهواء، من رحمته ولطفه، (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) أي: بما يصلح كل شيء من مخلوقاته. وهذه كقوله: ﴿أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [النحل: ٧٩].