للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي: (مَنَاكِبِهَا) أطرافها وفجاجها ونواحيها. وقال ابن عباس وقتادة: (مَنَاكِبِهَا) الجبال.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عمرو بن حكام الأزدي، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن بشير بن كعب: أنه قرأ هذه الآية: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا) فقال لأم ولد له: إن علمت (مَنَاكِبِهَا) فأنت عتيقة. فقالت: هي الجبال. فسأل أبا الدرداء فقال: هي الجبال.

﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩)

وهذا أيضًا من لطفه ورحمته بخلقه أنه قادر على تعذيبهم، بسبب كفر بعضهم به وعبادتهم معه غيره وهو مع هذا يحلم ويصفح، ويؤجل ولا يعجل، كما قال: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾ [فاطر: ٤٥].

وقال هاهنا: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) أي: تذهب وتجيء وتضطرب، (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا) أي: ريحا فيها حصباء تدمغكم، كما قال: ﴿أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا﴾ [الإسراء: ٦٨]. وهكذا توعدهم هاهنا بقوله: (فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) أي: كيف يكون إنذاري وعاقبة من تخلف عنه وكذب به.

ثم قال: (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي: من الأمم السالفة والقرون الخالية، (فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) أي: فكيف كان إنكاري عليهم ومعاقبتي لهم؟ أي: عظيمًا شديدًا أليمًا.

ثم قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) أي: تارة يصففن أجنحتهن في الهواء، وتارة تجمع جناحًا وتنشر جناحًا (مَا يُمْسِكُهُنَّ) أي: في الجو (إِلا الرَّحْمَنُ) أي: بما سخر لهن من الهواء، من رحمته ولطفه، (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) أي: بما يصلح كل شيء من مخلوقاته. وهذه كقوله: ﴿أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [النحل: ٧٩].

﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلا فِي غُرُورٍ (٢٠) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى