للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال ابن عباس، ومجاهد وغير واحد: (كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا) أي: منا المؤمن ومنا الكافر.

وقال أحمد بن سليمان النجاد في أماليه، حدثنا أسلم بن سهل بحشل، حدثنا علي بن الحسن بن سليمان -هو أبو الشعثاء الحضرمي، شيخ مسلم-حدثنا أبو معاوية (١) قال: سمعتُ الأعمش يقول: تروح إلينا جني، فقلت له: ما أحب الطعام إليكم؟ فقال الأرز. قال: فأتيناهم به، فجعلت أرى اللقم ترفع ولا أرى أحدا. فقلت: فيكم من هذه الأهواء التي فينا؟ قال: نعم. قلت: فما الرافضة فيكم (٢)؟ قال (٣) شرنا. عرضت هذا الإسناد على شيخنا الحافظ أبي الحجاج المِزِّي فقال: هذا إسناد صحيح إلى الأعمش.

وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة العباس بن أحمد الدمشقي قال (٤) سمعتُ بعض الجَنّ وأنا في منزل لي بالليل ينشد:

قُلوبٌ بَرَاها الحبّ حَتى تعلَّقت … مَذَاهبُها في كُلّ غَرب وشَارقِ

تَهيم بحب الله، واللهُ رَبُّها … مُعَلَّقةٌ بالله دُونَ الخَلائقِ (٥)

وقوله: (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا) أي: نعلم أن قدرة الله حاكمة علينا وأنا لا نعجزه في الأرض، ولو أمعنا في الهرب، فإنه علينا قادر (٦) لا يعجزه أحد منا.

(وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ) يفتخرون بذلك، وهو مفخر (٧) لهم، وشرف رفيع وصفة حسنة.

وقولهم: (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا) قال ابن عباس، وقتادة، وغيرهما: فلا يخاف أن يُنقص من حسناته أو يحمل عليه غير سيئاته، كما قال تعالى: ﴿فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا﴾ [طه: ١١٢]

﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (١٤) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (١٥) وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (١٧)

(وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ) أي: منا المسلم ومنا القاسط، وهو: الجائر عن الحق الناكب عنه، بخلاف المقسط فإنه العادل، (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا) أي: طلبوا لأنفسهم النجاة،

(وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) أي: وقودًا تسعر بهم.

وقوله: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) اختلف المفسرون في معنى هذا على قولين:

أحدهما: وأن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام وعدلوا إليها واستمروا عليها، (لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) أي: كثيرًا. والمراد بذلك سَعَة الرزق. كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [المائدة: ٦٦] وكقوله:


(١) في أ: "أبو عوانة".
(٢) في أ: "منكم".
(٣) في م: "قالوا".
(٤) في م: "أنه قال".
(٥) تاريخ دمشق (٨/ ٨٨٧ "المخطوط").
(٦) في م: "فإنه قادر علينا.
(٧) في أ: "وهو مفتخر".