للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قُتِلَ وَاللَّهِ صَاحِبِي، وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ. فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ -وَاللَّهِ-أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ، قَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ ثُمَّ نَجَّانِي اللَّهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرُ حَرْبٍ! لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ". فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سَيْفَ الْبَحْرِ، قَالَ: وَتَفَلَّتَ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سَهْلٍ، فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ، فَوَاللَّهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّامِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا فَقَتَلُوهُمْ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ. فَأَرْسَلَتْ قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، تُنَاشِدُهُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ لَمَا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ: "فَمَنْ أَتَاهُ مِنْهُمْ فَهُوَ آمِنٌ". فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} حَتَّى بَلَغَ: {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} ، وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَمْ يُقِرُّوا بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَيْتِ.

هَكَذَا سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ هَاهُنَا (١) ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ فِي التَّفْسِيرِ، وَفِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَفِي الْحَجِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ (٢) وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ مَرْوَانَ والمِسْوَر بْنِ [مَخْرَمة] (٣) ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ (٤) . وَهَذَا أَشْبَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَمْ يَسُقْهُ أَبْسَطَ مِنْ هَاهُنَا، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ سِيَاقِ ابْنِ إِسْحَاقَ تَبَايُنٌ فِي مَوَاضِعَ، وَهُنَاكَ فَوَائِدُ يَنْبَغِي إِضَافَتُهَا إِلَى مَا هَاهُنَا، وَلِذَلِكَ سُقْنَا تِلْكَ الرِّوَايَةَ وَهَذِهِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ السُّلَمِي، حَدَّثَنَا يَعْلَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا وَائِلٍ أَسْأَلُهُ فَقَالَ: كُنَّا بِصِفِّينَ فَقَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نَعَمْ. فَقَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْف: اتهمُوا أَنْفُسَكُمْ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ -يَعْنِي: الصُّلْحَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكِينَ-وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا، فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ؟ أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ فَقَالَ: "بَلَى" قَالَ: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا، وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يحكم الله بيننا؟ فقال: "يا ابن الْخَطَّابِ، إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا"، فَرَجَعَ مُتَغَيِّظًا، فَلَمْ يَصْبِرْ حَتَّى جَاءَ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَسْنَا على الحق وهم على الباطل، فقال: يا ابن الْخَطَّابِ، إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا، فَنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ (٥) .

وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طرق أخر عن أبي وائل سفيان (٦)


(١) صحيح البخاري برقم (٢٧٣١، ٢٧٣٢) .
(٢) صحيح البخاري برقم (٤١٨٠) .
(٣) زيادة من م.
(٤) رواه البخاري في صحيحه في أول الشروط برقم (٢٧١١) .
(٥) صحيح البخاري برقم (٤٨٤٤) .
(٦) في هـ: "شقيق".

<<  <  ج: ص:  >  >>