للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم قال: (كَلا وَالْقَمَرِ* وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) أي: ولى، (وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ) أي: أشرق، (إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ) أي: العظائم، يعني: النار، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وغير واحد من السلف. (نَذِيرًا لِلْبَشَرِ* لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) أي: لمن شاء أن يقبل النّذارة ويهتدي للحق، أو يتأخر عنها ويولي ويردها.

﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (٤٧)

يقول تعالى مخبرًا أن: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) أي: معتقلة بعملها يوم القيامة، قاله ابن عباس وغيره: (إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ) فإنهم (فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ* عَنِ الْمُجْرِمِينَ) أي: يسألون المجرمين وهم في الغرفات وأولئك في الدركات قائلين لهم:

(مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) أي: ما عبدنا ربنا ولا أحسنا إلى خلقه من جنسنا،

(وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ) أي: نتكلم فيما لا نعلم. وقال قتادة: كلما غوي غاو غوينا معه،

(وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) يعني: الموت. كقوله: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: ٩٩] وقال رسول الله : "أما هو -يعني عثمان بن مظعون-فقد جاءه اليقين من ربه". (١)

﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (٥٢) كَلا بَلْ لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ (٥٣) كَلا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٦)

قال الله تعالى: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) أي: من كان متصفا بهذه (٢) الصفات فإنه لا تنفعه يوم القيامة شفاعة شافع فيه؛ لأن الشفاعة إنما تنجع إذا كان المحل قابلا فأما من وافى الله كافرا يوم القيامة فإنه له النار لا محالة، خالدا فيها.

ثم قال تعالى: (فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) أي: فما لهؤلاء الكفرة الذين قبلك عما تدعوهم إليه وتذكرهم به معرضين،

(كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ* فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) أي: كأنهم في نفارهم عن الحق، وإعراضهم عنه حُمُر من حمر الوحش إذا فرت ممن يريد صيدها من أسد، قاله أبو هريرة، وابن عباس -في رواية-عنه وزيد بن أسلم، وابنه عبد الرحمن. أو: رام، وهو رواية (٣) عن


(١) رواه البخاري في صحيحه برقم (١٢٤٣) من حديث أم العلاء .
(٢) في م: "بمثل هذه".
(٣) في م: "وهما روايتان".