للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لي سيعد: وأنا أحرك شفتي كما رأيت ابن عباس يحرك شفتيه-فأنزل الله ﷿ (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) قال: جمعه في صدرك، ثم تقرأه، (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) فاستمع له وأنصت، (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) فكان بعد ذلك إذا انطلق جبريل قرأه كما أقرأه. (١)

وقد رواه البخاري ومسلم، من غير وجه، عن موسى بن أبي عائشة، به (٢) ولفظ البخاري: فكان إذا أتاه جبريل أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله ﷿ (٣).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو يحيى التيمي، حدثنا موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال: كان رسول الله إذا أنزل عليه الوحي يلقى منه شدة، وكان إذا نزل عليه عرف في تحريكه شفتيه، يتلقى أوله ويحرك به شفتيه خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره، فأنزل الله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ)

وهكذا قال الشعبي، والحسن البصري، وقتادة، ومجاهد، والضحاك، وغير واحد: إن هذه الآية نزلت في ذلك.

وقد روى ابن جرير من طريق العوفي، عن ابن عباس: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) قال: كان لا يفتر من القراءة مخافة أن ينساه، فقال الله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنَا) أن نجمعه لك (وَقُرْآنَهُ) أن نقرئك فلا تنسى.

وقال ابن عباس وعطية العوفي: (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) تبيين حلاله وحرامه. وكذا قال قتادة.

﴿كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ (٢١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (٢٥)

وقوله: (كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ* وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ) أي: إنما يحملهم على التكذيب بيوم القيامة ومخالفة ما أنزله الله ﷿ على رسوله من الوحي الحق والقرآن العظيم: إنهم إنما همتهم إلى الدار الدنيا العاجلة، وهم لاهون متشاغلون عن الآخرة.

ثم قال تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) من النضارة، أي حسنة بَهِيَّة مشرقة مسرورة، (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) أي: تراه عيانا، كما رواه البخاري، ، في صحيحه: "إنكم سترون ربكم عَيَانا". (٤) وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله ﷿ في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح، من طرق متواترة عند أئمة الحديث، لا يمكن دفعها ولا منعها؛ لحديث أبي سعيد وأبي هريرة -وما في الصحيحين-: أن ناسا قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: "هل تُضَارُّون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سَحَاب؟ " قالوا: لا. قال: "فإنكم تَرَون ربكم كذلك". (٥) وفي الصحيحين عن جرير قال: نظر رسول الله إلى القمر ليلة البدر فقال: "إنكم تَرَون ربكم كما ترون هذا القمر، فإن استطعتم ألا تُغلَبوا على صلاة قبل طلوع الشمس ولا قبل


(١) المسند (١/ ٣٤٣).
(٢) صحيح البخاري برقم (٤٩٢٧، ٤٩٢٨)، وصحيح مسلم برقم (٤٤٨).
(٣) صحيح البخاري برقم (٤٩٢٩).
(٤) صحيح البخاري برقم (٥٥٤، ٥٧٣، ٤٨٥) من حديث جرير .
(٥) صحيح البخاري برقم (٧٤٣٧، ٧٤٣٨)، وصحيح مسلم برقم (١٨٢).