للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في مثل هذا على سبيل التهكم والتهديد كقوله: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان: ٤٩]. وكقوله: ﴿كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ﴾ [المرسلات: ٤٦]، وكقوله ﴿فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ﴾ [الزمر: ١٥]، وكقوله ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ [فصلت: ٤٠]. إلى غير ذلك.

وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان الواسطي، حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن مهدي-عن إسرائيل، عن موسى بن أبي عائشة قال: سألت سعيد بن جبير قلت: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى)؟ قال: قاله النبي لأبي جهل، ثم نزل به القرآن.

وقال أبو عبد الرحمن النسائي: حدثنا إبراهيم بن يعقوب (١). حدثنا أبو النعمان، حدثنا أبو عَوَانة - (ح) وحدثنا أبو داود: حدثنا محمد بن سليمان (٢). حدثنا أبو عوانة-عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى)؟ قال: قاله رسول الله (٣) ثم أنزله الله ﷿ (٤).

قال ابن أبي حاتم: وحدثنا أبي، حدثنا هشام بن خالد، حدثنا شعيب بن إسحاق، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) وعيد على أثر وعيد، كما تسمعون، وزعموا أن عدو الله أبا جهل أخذ نَبيّ الله بمجامع ثيابه، ثم قال: "أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى". فقال عدو الله أبو جهل: أتوعدني يا محمد؟ والله لا تستطيع أنت ولا ربك شيئا، وإني لأعز من مشى بين جبليها.

وقوله: (أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) قال السدي: يعني: لا يبعث.

وقال مجاهد، والشافعي، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: يعني لا يؤمر ولا ينهى.

والظاهر أن الآية تعم الحالين، أي: ليس يترك في هذه الدنيا مهملا لا يؤمر ولا ينهى، ولا يترك في قبره سدى لا يبعث، بل هو مأمور منهي في الدنيا، محشور إلى الله في الدار الآخرة. والمقصود هنا إثبات المعاد، والرد على من أنكره من أهل الزيغ والجهل والعناد (٥)، ولهذا قال مستدلا على الإعادة بالبداءة فقال.

(أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى)؟ أي: أما كان الإنسان نطفة ضعيفة من ماء مهين، يمنى يراق من الأصلاب في الأرحام. (ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى) أي: فصار علقة، ثم مضغة، ثم شُكّل ونفخ فيه الروح، فصار خلقا آخر سَويًا سليم الأعضاء، ذكرا أو أنثى بإذن الله وتقديره؛ ولهذا قال: (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى)

ثم قال: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) أي: أما هذا الذي أنشأ هذا الخلق السوي من هذه النطفة الضعيفة بقادر على أن يعيده كما بدأه؟ وتناولُ القدرة للإعادة إما بطريق الأولى بالنسبة إلى البداءة، وإما مساوية على القولين في قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧].


(١) في م، أ، هـ: "يعقوب بن إبراهيم" والمثبت من سنن النسائي الكبري (١١٦٣٨).
(٢) في م: "عن ابن سليمان".
(٣) في م: "قاله رسول الله لأبي جهل".
(٤) سنن النسائي الكبري برقم (١١٦٣٨).
(٥) في أ: "والفساد".