للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ) قال: عكرمة، عن ابن عباس: أي من راق يرقى؟ وكذا قال أبو قلابة: (وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ) أي: من طبيب شاف. وكذا قال قتادة، والضحاك، وابن زيد.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا نصر بن علي، حدثنا روح بن المسيب أبو رجاء الكلبي، حدثنا عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس: (وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ) قال: قيل: من يرقى بروحه: ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ فعلى هذا يكون من كلام الملائكة.

وبهذا الإسناد، عن ابن عباس في قوله: (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) قال: التفت عليه الدنيا والآخرة. وكذا قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) يقول: آخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من أيام الآخرة، فتلتقي الشدة بالشدة إلا من رحم الله.

وقال عكرمة: (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) الأمر العظيم بالأمر العظيم. وقال مجاهد: بلاء ببلاء. وقال الحسن البصري في قوله: (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) هما ساقاك إذا التفتا (١). وفي رواية عنه: ماتت رجلاه فلم تحملاه، وقد كان عليها جوالا. وكذا قال السدي، عن أبي مالك.

وفي رواية عن الحسن: هو لفهما في الكفن.

وقال الضحاك: (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) اجتمع عليه أمران: الناس يجهزون جسده، والملائكة يجهزون روحه.

وقوله: (إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ) أي: المرجع والمآب، وذلك أن الروح ترفع إلى السماوات، فيقول الله ﷿: ردوا عبدي إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى. كما ورد في حديث البراء الطويل. وقد قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ* ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾ [الأنعام: ٦١، ٦٢].

وقوله: (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) هذا إخبار عن الكافر الذي كان في الدار الدنيا مكذبا للحق بقلبه، متوليا عن العمل بقالبه، فلا خير فيه باطنا ولا ظاهرا، ولهذا قال: (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) أي: جَذلا (٢). أشرا بَطرا كسلانا، لا همة له ولا عمل، كما قال: ﴿وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ﴾ [المطففين: ٣٤]. وقال ﴿إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ﴾ أي: يرجع ﴿بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا﴾ [الانشقاق: ١٣ - ١٥].

وقال الضحاك: عن ابن عباس: (ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) [أي] (٣). يختال. وقال قتادة، وزيد بن أسلم: يتبختر.

قال الله تعالى: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) وهذا تهديد ووعيد أكيد منه تعالى للكافر به المتبختر في مشيته، أي: يحق لك أن تمشي هكذا وقد كفرت بخالقك وبارئك، كما يقال


(١) في أ: "إذا التقيا".
(٢) في م: "أي جزلان".
(٣) زيادة من م.