للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا آدم، حدثنا المبارك عن الحسن: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) قال: حسنة، (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) قال تنظر إلى الخالق، وحُقّ لها أن تَنضُر وهي تنظر إلى الخالق (١).

وقوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةَ) هذه وجوه الفجار تكون يوم القيامة باسرة. قال قتادة: كالحة. وقال السدي: تغير ألوانها. وقال ابن زيد (بَاسِرَةٌ) أي: عابسة.

(تَظُنُّ) أي: تستيقن، (أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ) قال مجاهد: داهية. وقال قتادة: شر. وقال السدي: تستيقن أنها هالكة. وقال ابن زيد: تظن أن ستدخل النار.

وهذا المقام كقوله: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [آل عمران: ١٠٦] وكقوله ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ﴾ [عبس: ٣٨ - ٤٢] وكقوله ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً﴾ إلى قوله: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ [الغاشية: ٢ - ١٠] في أشباه ذلك من الآيات والسياقات.

﴿كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (٣٠) فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (٣٤) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (٣٥) أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (٣٧) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى (٣٩) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (٤٠)

يخبر تعالى عن حالة الاحتضار وما عنده من الأهوال -ثبتنا الله هنالك بالقول الثابت-فقال تعالى: (كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ) إن جعلنا (كَلا) رداعة فمعناها: لست يا ابن آدم تكذب هناك بما أخبرت به، بل صار ذلك عندك عيانا. وإن جعلناها بمعنى (حقا) فظاهر، أي: حقا إذا بلغت التراقي، أي: انتزعت روحك من جسدك وبلغت تراقيك، والتراقي: جمع ترقوة، وهي العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق، كقوله: ﴿فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا (٢) إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الواقعة: ٨٣ - ٨٧]. وهكذا قال هاهنا: (كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ) ويذكر هاهنا حديث بُسْر بن جِحاش الذي تقدم في سورة "يس" (٣). والتراقي: جمع ترقوة، وهي قريبة من الحلقوم.


(١) تفسير الطبري (٢٩/ ١١٩).
(٢) في أ: "كلا" وهو خطأ.
(٣) حديث بسر بن جحاش، رواه الإمام أحمد في المسند (٤/ ٣١٠) من طريق جبير بن نفير، عن بسر بن جحاش: أن رسول الله بصق يومًا في كفه فوضع عليها إصبعه ثم قال: "قال الله تعالى: ابن آدم أني تعجزني وقد خلقتك مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك، مشيت بين برديك وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت، حتى إذا بلغت التراقي قلت: أتصدق وأنى أوان الصدقة؟! " وقد سبق عند تفسير الآية: ٧٧ من سورة يس.