للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال ابن جرير: ولا يعرف في كلام العرب في صفة الكثرة الثج، وإنما الثج: الصب المتتابع. ومنه قول النبي : "أفضلُ الحجّ العجّ والثجّ". يعني: صَبّ دماء البُدْن (١). هكذا قال. قلت: وفي حديث المستحاضة حين قال لها رسول الله : "أنعت لك الكُرسُفَ" -يعني: أن تحتشي بالقطن-: قالت (٢): يا رسول الله، هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجًا (٣). وهذا فيه دَلالة على استعمال الثَّج في الصبّ المتتابع الكثير، والله أعلم.

وقوله: (لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) أي: لنخرجَ بهذا الماء الكثير الطيب النافع المُبَارَك (حَبًّا) يدخر للأناسي والأنعام، (وَنَبَاتًا) أي: خضرًا يؤكل رطبا، (وَجَنَّاتٍ) أي: بساتين وحدائقَ من ثمرات متنوعة، وألوان مختلفة، وطعوم وروائح متفاوتة، وإن كان ذهلك (٤) في بقعة واحدة من الأرض مجتمعًا؛ ولهذا قال: (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) قال ابن عباس، وغيره: (أَلْفَافًا) مجتمعة. وهذه كقوله تعالى: ﴿وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ﴾ الآية [الرعد: ٤].

﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (١٧) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (١٨) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (١٩) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (٢٠) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (٢١) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (٢٢) لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (٢٣) لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا (٢٤) إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (٢٥) جَزَاءً وِفَاقًا (٢٦) إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (٢٨) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (٢٩) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا (٣٠)

يقول تعالى مخبرًا عن يوم الفصل، وهو يوم القيامة، أنه مؤقت بأجل معدود، لا يزاد عليه ولا ينقص منه، ولا يعلم وقته على التعيين إلا الله ﷿، كما قال: ﴿وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلا لأَجَلٍ مَعْدُودٍ﴾ [هود: ١٠٤].

(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا) قال مجاهد: زُمَرًا (٥). قال ابن جرير: يعني تأتي كل أمة مع رسولها، كقوله: ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ [الإسراء: ٧١] (٦).

وقال البخاري: (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا) حدثنا محمد، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "ما بين النفختين أربعون".


(١) تفسير الطبري (٣٠/ ٥)، وهذا الحديث جاء من حديث ابن عمر، وأبي بكر، وجابر، وابن مسعود ، وانظر تخريجها والكلام عليها في: نصب الراية للإمام الزيلعي (٣/ ٣٣ - ٣٥).
(٢) في أ: "فقالت".
(٣) حديث المستحاضة هو حديث حمنة بنت جحش، وقد رواه الإمام أحمد في المسند (٦/ ٤٣٩)، وأبو داود في السنن برقم (٢٨٧)، والترمذي في السنن برقم (١٢٨).
(٤) في م، أ: "ذلك".
(٥) في م: "زمرا زمرا".
(٦) تفسير الطبري (٣٠/ ٦٠).