للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قالوا: أربعون يومًا؟ قال: "أبيتُ". قالوا: أربعون شهرًا؟ قال: "أبيت". قالوا: أربعون سنة؟ قال: "أبيت". قال: "ثم يُنزلُ الله من السماء ماء فينبتُونَ كما ينبتُ البقلُ، ليس من الإنسان شيءٌ إلا يَبلَى، إلا عظمًا واحدا، وهو عَجْبُ الذنَب، ومنه يُرَكَّبُ الخَلْقُ يومَ القيامة" (١).

(وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا) أي: طرقا ومسالك لنزول الملائكة، (وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا) كقوله: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾ [النمل: ٨٨] وكقوله: ﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ﴾ [القارعة: ٥].

وقال هاهنا: (فَكَانَتْ سَرَابًا) أي: يخيل إلى الناظر أنها شيء، وليست بشيء، بعد هذا تَذهب بالكلية، فلا عين ولا أثر، كما قال: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا﴾ * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا﴾ [طه: ١٠٥ - ١٠٧] وقال: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً﴾ [الكهف: ٤٧].

وقوله: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا) أي: مرصدة مُعَدّة، (للِطَّاغِينَ) وهم: المَرَدة العصاة المخالفون للرسل، (مَآبًا) أي: مرجعا ومنقلبا ومصيرا ونزلا. وقال الحسن، وقتادة في قوله: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا) يعني: أنه لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز بالنار، فإن كان معه جواز نجا، وإلا احتبس. وقال سفيان الثوري: عليها ثلاث قناطر.

وقوله: (لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) أي: ماكثين فيها أحقابا، وهي جمع "حقُب"، وهو: المدة من الزمان. وقد اختلفوا في مقداره. فقال ابن جرير، عن ابن حميد، عن مِهْران، عن سفيان الثوري، عن عَمَّار الدّهنِي، عن سالم بن أبي الجعد قال: قال علي بن أبي طالب لهلال الهَجَري: ما تجدونَ الحُقْبَ في كتاب الله المنزل؟ قال: نجده ثمانين سنة، كل سنة اثنا عشر شهرا، كل شهر ثلاثون يوما كل يوم ألف سنة (٢).

وهكذا رُويَ عن أبي هُرَيرة، وعبد الله بن عَمرو، وابن عباس، وسعيد بن جُبَير، وعَمرو بن ميمون، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، والضحاك. وعن الحسن والسّدي أيضا: سبعون سنة كذلك. وعن عبد الله بن عمرو: الحُقبُ أربعون سنة، كل يوم منها كألف سنة مما تعدون. رواهما ابن أبي حاتم.

وقال بُشَير (٣) بن كعب: ذُكِر لي أن الحُقب الواحد ثلاثمائة سنة، كل سنة ثلاثمائة وستون يومًا (٤)، كل يوم منها كألف سنة. رواه ابن جرير (٥)، وابن أبي حاتم.

ثم قال ابن أبي حاتم: ذكر عن عُمَر بن علي بن أبي بكر الأسْفَذْنيّ (٦): حدثنا مروان بن معاوية الفَزَاري، عن جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن النبي في قوله: (لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا)


(١) صحيح البخاري برقم (٤٩٣٥).
(٢) تفسير الطبري (٣٠/ ٨).
(٣) في أ: "وقال بشر".
(٤) في م: "كل سنة اثنا عشر شهرا، كل سنة ثلاثمائة وستون يوما".
(٥) تفسير الطبري (٣٠/ ٨).
(٦) في أ: "الأسعدي".