للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِكُلِّ جَبَّارٍ، وَمَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ (١) . فَتَنْطَوِي عَلَيْهِمْ، فَتَقْذِفُهُمْ فِي غَمَرَاتِ جَهَنَّمَ" (٢) .

{قَالَ قَرِينُهُ} : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمْ: هُوَ الشَّيْطَانُ الَّذِي وُكِّلَ بِهِ: {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} أَيْ: يَقُولُ عَنِ الْإِنْسَانِ الَّذِي قَدْ وَافَى الْقِيَامَةَ كَافِرًا، يَتَبَرَّأُ مِنْهُ شَيْطَانُهُ، فَيَقُولُ: {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} أَيْ: مَا أَضْلَلْتُهُ، {وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} أَيْ: بَلْ كَانَ هُوَ فِي نَفْسِهِ ضَالًّا قَابِلًا لِلْبَاطِلِ مُعَانِدًا لِلْحَقِّ. كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى فِي قَوْلِهِ: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إِبْرَاهِيمَ: ٢٢] .

وَقَوْلُهُ: {قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} يَقُولُ (٣) الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ لِلْإِنْسِيِّ وَقَرِينِهِ مِنَ الْجِنِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا يَخْتَصِمَانِ بَيْنَ يَدَيِ الْحَقِّ فَيَقُولُ الْإِنْسِيُّ: يَا رَبِّ، هَذَا أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي. وَيَقُولُ الشَّيْطَانُ: {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} أَيْ: عَنْ مَنْهَجِ الْحَقِّ. فَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا: {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} أَيْ: عِنْدِي، {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} أَيْ: قَدْ أَعْذَرْتُ إِلَيْكُمْ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ، وَأَنْزَلْتُ الْكُتُبَ، وَقَامَتْ عَلَيْكُمُ الْحُجَجُ وَالْبَيِّنَاتُ وَالْبَرَاهِينُ.

{مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي قَدْ قَضَيْتُ مَا أَنَا قَاضٍ، {وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} أَيْ: لَسْتُ أُعَذِّبُ أَحَدًا بِذَنْبِ أَحَدٍ، وَلَكِنْ لَا أُعَذِّبُ أَحَدًا إِلَّا بِذَنْبِهِ، بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ.

{يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (٣٥) }

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ يَقُولُ لِجَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: هَلِ امْتَلَأْتِ؟ وَذَلِكَ أَنَّهُ وَعَدَهَا أَنْ سَيَمْلَؤُهَا مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ يَأْمُرُ بِمَنْ (٤) يَأْمُرُ بِهِ إِلَيْهَا، وَيُلْقَى وَهِيَ تَقُولُ: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} أَيْ: هَلْ بَقِيَ شَيْءٌ تَزِيدُونِي؟ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ سِيَاقِ الْآيَةِ، وَعَلَيْهِ تَدَلُّ الْأَحَادِيثُ:

قَالَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا حَرَمي بْنُ عُمَارة حَدَّثَنَا شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يُلقَى فِي النَّارِ، وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ قدمه فيها، فتقول قط قط" (٥) .


(١) في م: "حق".
(٢) المسند (٣/٤٠) .
(٣) في م: "يقوله".
(٤) في م: "من".
(٥) صحيح البخاري برقم (٤٨٤٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>