للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يقول تعالى ذاما لمن أنكر البعث والنشور من بني آدم: (قُتِلَ الإنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) قال الضحاك، عن ابن عباس: (قُتِلَ الإنْسَانُ) لعن الإنسان. وكذا قال أبو مالك. وهذا لجنس الإنسان المكذب؛ لكثرة تكذيبه بلا مستند، بل بمجرد الاستبعاد وعدم العلم.

قال ابن جرير (١) (مَا أَكْفَرَهُ) ما أشد كفره! وقال ابن جرير: ويحتمل أن يكون المراد: أي شيء جعله كافرا؟ أي: ما حمله على التكذيب بالمعاد (٢).

وقال قتادة-وقد حكاه البغوي عن مقاتل والكلبي-: (مَا أَكْفَرَهُ) ما ألعنه.

ثم بين تعالى له كيف خلقه من الشيء الحقير، وأنه قادر على إعادته كما بدأه، فقال: (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) أي: قدر أجله ورزقه وعمله وشقي أو سعيد. (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) قال العوفي، عن ابن عباس: ثم يسر عليه خروجه من بطن أمه. وكذا قال عكرمة، والضحاك، وأبو صالح، وقتادة، والسدي، واختاره ابن جرير (٣).

وقال مجاهد: هذه كقوله: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [الإنسان: ٣] أي: بينا (٤) له ووضحناه وسهلنا عليه عمله (٥) وهكذا قال الحسن، وابن زيد. وهذا هو الأرجح والله أعلم.

وقوله: (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ) أي: إنه بعد خلقه له (أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ) أي: جعله ذا قبر. والعرب تقول: "قبرت الرجل": إذا ولى ذلك منه، وأقبره الله. وعضبت قرن الثور،

وأعضبه الله، وبترت ذنب البعير وأبتره الله. وطردت عني فلانا، وأطرده الله، أي: جعله طريدا قال الأعشى:

لَو أسْنَدَتْ مَيتًا إلى نَحْرها (٦) … عَاش، وَلم يُنقَل إلى قَابِر (٧)


(١) في أ: "ابن جريح"
(٢) تفسير الطبري (٣٠/ ٣٥)، وقد تصرف الحافظ هنا في كلامه
(٣) تفسير الطبري (٣٠/ ٣٦).
(٤) في أ: "أي بيناه"
(٥) في أ: "عمله".
(٦) في م، أ: "إلى صدرها".
(٧) البيت في تفسير الطبري (٣٠/ ٣٦).