للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ) أي: بعثه بعد موته، ومنه يقال: البعث والنشور، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ [الروم: ٢٠]، ﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا﴾ [البقرة: ٢٥٩].

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أصبغُ بنُ الفَرج، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث: أن دراجا أبا السمح أخبره، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن النبي قال: "يأكل الترابُ كلَّ شيء من الإنسان إلا عَجْبُ ذَنَبه (١) قيل: وما هو يا رسول الله؟ قال: "مثل حبة خردل منه ينشئون" (٢).

وهذا الحديث ثابت في الصحيح من رواية الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، بدون هذه الزيادة، ولفظه: "كل ابن آدم يَبْلى إلا عَجْبُ الذَّنَب، منه خلق وفيه يُركَّب" (٣).

وقوله: (كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ) قال ابن جرير: يقول: كلا ليس الأمر كما يقول هذا الإنسان الكافر؛ من أنه قد أدى حق الله عليه في نفسه وماله، (لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ) يقول: لم يُؤد ما فُرض عليه من الفرائض لربه ﷿.

ثم روى-هو وابن أبي حاتم-من طريق ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد قوله: (كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ) قال: لا يقضي أحد أبدا كل ما افتُرض عليه. وحكاه البغوي، عن الحسن البصري، بنحو من هذا. ولم أجد للمتقدمين فيه كَلامًا سوى هذا. والذي يقع لي في معنى ذلك-والله أعلم-أن المعنى: (ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ) أي: بعثه، (كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ) [أي] (٤) لا يفعله الآن حتى تنقضي المدة، ويفرغ القدر من بني آدم ممن كتب تعالى (٥) له أن سيُوجَدُ منهم، ويخرج إلى الدنيا، وقد أمر به تعالى كونا وقدرا، فإذا تناهى ذلك عند الله أنشر الله الخلائق وأعادهم كما بدأهم.

وقد روى ابنُ أبي حاتم، عن وهب بن مُنَبّه قال: قال عُزَير، : قال الملك الذي جاءني: فإن القبور هي بطنُ الأرض، وإن الأرض هي أم الخلق، فإذا خلق الله ما أراد أن يخلق وتمت هذه القبورُ التي مَدّ الله لها، انقطعت الدنيا ومات من عليها، ولفظت الأرض ما في جوفها، وأخرجت القبورُ ما فيها، وهذا شبيه بما قلنا من معنى الآية، والله أعلم بالصواب.

وقال: (٦) (فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ) فيه امتنان، وفيه استدلال بإحياء النبات من الأرض الهامدة على إحياء الأجسام بعدما كانت عَظَاما بالية وترابا متمزقا، (أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا) أي: أنزلناه من السماء على الأرض، (ثُمَّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقًّا) أي: أسكناه فيها فدخل في تُخُومها وتَخَلَّل في


(١) في أ: "إلا عجز الذنب".
(٢) ورواه الحاكم في المستدرك (٤/ ٦٠٩) من طريق بحر بن نصر، عن ابن وهب به، وقال: "حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" قلت: دراج عن أبي الهيثم ضعيف.
(٣) صحيح البخاري برقم (٤٨١٤)، وصحيح مسلم برقم (٢٩٥٥)
(٤) زيادة من م، أ.
(٥) في م: "ممن كتب الله".
(٦) في أ: "وقوله".