للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت واختلطت، ففزعت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن، واختلطت الدواب والطير والوحوش، فماجوا بعضهم في بعض: (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) قال: اختلطت، (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ) قال: أهملها أهلها، (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ) قال: قالت الجن: نحن نأتيكم بالخبر. قال: فانطلقوا إلى البحر فإذا هو نار تأجج، قال: فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى وإلى السماء السابعة العليا، قال فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم.

رواه ابن جرير (١) -وهذا لفظه-وابن أبي حاتم، ببعضه، وهكذا قال مجاهد والربيع بن خُثَيم (٢)، والحسن البصري، وأبو صالح، وحماد بن أبي سليمان، والضحاك في قوله: (وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) ي: تناثرت.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) أي: تغيرت. وقال يزيد بن أبي مريم عن النبي : (وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) قال: "انكدرت في جهنم، وكل من عبد من دون الله فهو في جهنم، إلا ما كان من عيسى وأمه، ولو رضيا أن يُعبَدا لدخلاها". رواه ابن أبي حاتم بالإسناد المتقدم.

وقوله: (وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ) أي: زالت عن أماكنها ونُسِفت، فتركت الأرض قاعا صفصفا.

وقوله: (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ) قال عكرمة، ومجاهد: عشار الإبل. قال مجاهد: (عُطِّلَت) تركت وسُيّبت.

وقال أبي بن كعب، والضحاك: أهملها أهلها: وقال الربيع بن خُثَيم (٣) لم تحلب ولم تُصَرّ، تخلى منها أربابها.

وقال الضحاك: تركت لا راعي لها.

والمعنى في هذا كله متقارب. والمقصود أن العشار من الإبل-وهي: خيارها والحوامل منها التي قد وَصَلت في حملها إلى الشهر العاشر-واحدها (٤) عُشَراء، ولا يزال ذلك اسمها حتى تضع-قد اشتغل الناس عنها وعن كفالتها والانتفاع بها، بعد ما كانوا أرغب شيء فيها، بما دَهَمهم من الأمر العظيم المُفظع الهائل، وهو أمر القيامة وانعقاد أسبابها، ووقوع مقدماتها.

وقيل: بل يكون ذلك يوم القيامة، يراها أصحابها كذلك ولا سبيل لهم إليها. وقد قيل في العشار: إنها السحاب يُعطَّل عن المسير بين السماء والأرض، لخراب الدنيا. و [قد] (٥) قيل: إنها الأرض التي تُعشَّر. وقيل: إنها الديار التي كانت تسكن تُعَطَّل لذهاب أهلها. حكى هذه الأقوال كلها الإمام أبو عبد الله القرطبي في كتابه "التذكرة"، ورجح أنها الإبل، وعزاه إلى أكثر الناس (٦).


(١) تفسير الطبري (٣٠/ ٤١).
(٢) في أ: "خيثم".
(٣) في أ: "خيثم".
(٤) في م: "واحدتها".
(٥) زيادة من م.
(٦) التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (ص ٢١٢، ٢١٣).