للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعكرمة، وغيرهما.

والقول الثاني: إنه على رجع هذا الإنسان المخلوق من ماء دافق، أي: إعادته وبعثه إلى الدار الآخرة لقادر؛ لأن من قدر على البدء قدر على الإعادة.

وقد ذكر الله، ﷿، هذا الدليل في القرآن في غير ما موضع، وهذا القول قال به الضحاك، واختاره ابن جرير، ولهذا قال: (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ) أي: يوم القيامة تبلى فيه السرائر، أي: تظهر وتبدو، ويبقى السر علانية والمكنون مشهورا. وقد ثبت في الصحيحين، عن ابن عمر: أن رسول الله قال: "يرفع لكل غادر لواء عند استه (١) يقال: هذه غَدْرَةُ فلان بن فلان" (٢).

وقوله: (فَمَا لَهُ) أي: الإنسان يوم القيامة (مِنْ قُوَّةٍ) أي: في نفسه (وَلا نَاصِرٍ) أي: من خارج منه، أي: لا يقدر على أن ينقذ نفسه من عذاب الله، ولا يستطيع له أحد ذلك.

﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا (١٦) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (١٧)

قال ابن عباس: الرجع: المطر. وعنه: هو السحاب فيه المطر. وعنه: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ) تمطر ثم تمطر.

وقال قتادة: ترجع رزق العباد كل عام، ولولا ذلك لهلكوا وهلكت مواشيهم.

وقال ابن زيد: ترجع نجومها وشمسها وقمرها، يأتين من هاهنا.

(وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ) قال ابن عباس: هو انصداعها عن النبات. وكذا قال سعيد بن جُبَير وعكرمة، وأبو مالك، والضحاك، والحسن، وقتادة، والسدي، وغير واحد.

وقوله: (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) قال ابن عباس: حق. وكذا قال قتادة.

وقال آخر: حكم عدل.

(وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ) أي: بل هو حق جد.

ثم أخبر عن الكافرين بأنهم يكذبون به ويصدون عن سبيله، فقال: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا) أي: يمكرون بالناس في دعوتهم إلى خلاف القرآن.

ثم قال: (فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ) أي: أنظرهم ولا تستعجل لهم، (أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) أي: قليلا. أي: وترى ماذا أحل بهم من العذاب والنكال والعقوبة والهلاك، كما قال: ﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [لقمان: ٢٤].

آخر تفسير سورة "الطارق" ولله الحمد (٣).


(١) في أ: "عند رأسه".
(٢) صحيح البخاري برقم (٣١٨٨) وصحيح مسلم برقم (١٧٣٥).
(٣) في أ: "والله أعلم".