للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ) أي: عمله وما كان أسلفه في قديم دهره وحديثه، (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) أي: وكيف تنفعه الذكرى؟.

﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (٢٤) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (٢٦) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)

(يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) يعني: يندم على ما كان سلف منه من المعاصي -إن كان عاصيا-ويود لو كان ازداد من الطاعات -إن كان طائعا-كما قال الإمام أحمد بن حنبل:

حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله -يعني ابن المبارك-حدثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن محمد بن أبي عَمِيرة -وكان من أصحاب رسول الله -قال: لو أن عبدًا خر على وجهه من يوم ولد إلى أن يموت هَرمًا في طاعة الله، لَحَقِرَه يوم القيامة، ولودَّ أنه يُرَدَّ إلى الدنيا كيما يزداد من الأجر والثواب.

ورواه بَحِيرُ بنُ سَعد، عن خالد بن معدان، عن عتبة بن عبد، عن رسول الله (١).

قال الله تعالى: (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ) أي: ليس أحد أشد عذابًا من تعذيب الله من عصاه، (وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ) أي: وليس أحد أشد قبضا ووثقا من الزبانية لمن كفر بربهم، ﷿، هذا في حق المجرمين من الخلائق والظالمين (٢) فأما النفس الزكية المطمئنة وهي الساكنة الثابتة الدائرة مع الحق فيقال لها: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ) أي: إلى جواره وثوابه وما أعد لعباده في جنته، (رَاضِيَةً) أي: في نفسها (مَرْضِيَّةً) أي: قد رضيت عن الله ورضي عنها وأرضاها، (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي) أي: في جملتهم، (وَادْخُلِي جَنَّتِي) وهذا يقال لها عند الاحتضار، وفي يوم القيامة أيضا، كما أن الملائكة يبشرون المؤمن عند احتضاره وعند قيامه من قبره، وكذلك هاهنا.

ثم اختلف المفسرون فيمن نزلت هذه الآية، فروى الضحاك، عن ابن عباس: نزلت في عثمان بن عفان. وعن بُرَيدة بن الحصيب: نزلت في حمزة بن عبد المطلب، .

وقال العوفي، عن ابن عباس: يقال للأرواح المطمئنة يوم القيامة: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ) يعني: صاحبك، وهو بدنها الذي كانت تعمره في الدنيا، (رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً)

وروي عنه أنه كان يَقرؤها: "فادخلي في عبدي وادخلي جنتي". وكذا (٣) قال عكرمة والكلبي، واختاره ابن جرير، وهو غريب، والظاهر الأول؛ لقوله: ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ﴾ [الأنعام: ٦٢] ﴿وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ﴾ (٤) [غافر: ٤٣] أي: إلى حكمه والوقوف بين يديه.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الدشتكي، حدثنا أبي، عن أبيه، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في


(١) المسند (٤/ ١٨٥).
(٢) في أ: "والعالمين".
(٣) في م: "وكذلك".
(٤) في م: "وأن مصيرنا" وهو خطأ.