للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَتَكْذِيبِهِمْ رَسُولِي؟ {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} أَيْ: فَبَادُوا عَنْ آخِرِهِمْ لَمْ تَبْقَ (١) مِنْهُمْ بَاقِيَةٌ، وخَمَدوا وهَمَدوا كَمَا يَهْمُدُ يَبِيس الزَّرْعِ وَالنَّبَاتِ. قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ. وَالْمُحْتَظِرُ -قَالَ السُّدِّيُّ-: هُوَ الْمَرْعَى بالصحراء حين يبيس وَتَحَرَّقَ وَنَسَفَتْهُ الرِّيحُ.

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَتِ الْعَرَبُ يَجْعَلُونَ حِظَارًا عَلَى الْإِبِلِ وَالْمَوَاشِي مَنْ يَبِيس الشَّوْكِ، فَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: {كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} .

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَير: {كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} : هُوَ التُّرَابُ الْمُتَنَاثِرُ مِنَ الْحَائِطِ. وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ، وَالْأَوَّلُ أَقْوَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٧) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٩) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠) } .

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ قَوْمِ لُوطٍ كَيْفَ كَذَّبُوا رَسُولَهُمْ وَخَالَفُوهُ، وَارْتَكَبُوا الْمَكْرُوهُ مِنْ إِتْيَانِ الذُّكُورِ، وَهِيَ الْفَاحِشَةَ الَّتِي لَمْ يَسْبِقْهُمْ بِهَا أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ؛ وَلِهَذَا أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ هَلَاكًا لَمْ يُهلكه أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَحَمَلَ مَدَائِنَهُمْ حَتَّى وَصَلَ بِهَا إِلَى عَنَان السَّمَاءِ، ثُمَّ قَلَبَهَا عَلَيْهِمْ وَأَرْسَلَهَا، وَأُتْبِعَتْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا. {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا} وَهِيَ: الْحِجَارَةُ، {إِلا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} أَيْ: خَرَجُوا مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَنَجَوْا مِمَّا أَصَابَ قَوْمَهُمْ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِلُوطٍ مِنْ قَوْمِهِ أَحَدٌ وَلَا رَجُلٌ وَاحِدٌ حَتَّى وَلَا امْرَأَتُهُ، أَصَابَهَا مَا أَصَابَ قَوْمَهَا، وَخَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ لُوطٌ وَبَنَاتٌ لَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ سَالِمًا لَمْ يمسَسْه سُوءٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ. وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا} أَيْ: وَلَقَدْ كَانَ قَبْلَ حُلُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ قَدْ أَنْذَرَهُمْ بَأْسَ اللَّهِ وَعَذَابَهُ، فَمَا الْتَفَتُوا إِلَى ذَلِكَ، وَلَا أَصْغَوْا إِلَيْهِ، بَلْ شَكُّوا فِيهِ وَتَمَارَوْا بِهِ، {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ} وَذَلِكَ لَيْلَةَ ورَدَ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ: جِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ، وَإِسْرَافِيلُ فِي صُورَةِ شَبَابٍ مُرد حِسان محنَةً مِنَ اللَّهِ بِهِمْ، فَأَضَافَهُمْ لُوطٌ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (٢) وَبَعَثَتِ امْرَأَتُهُ الْعَجُوزُ السوءُ إِلَى قَوْمِهَا، فَأَعْلَمَتْهُمْ بِأَضْيَافِ لُوطٍ، فَأَقْبَلُوا يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَأَغْلَقَ لُوطٌ دُونَهُمُ الْبَابَ، فَجَعَلُوا يُحَاوِلُونَ كَسْرَ الْبَابِ، وَذَلِكَ عَشِيَّةً، وَلُوطٌ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يُدَافِعُهُمْ وَيُمَانِعُهُمْ دُونَ أَضْيَافِهِ، وَيَقُولُ لَهُمْ: {هَؤُلاءِ بَنَاتِي} يَعْنِي: نِسَاءَهُمْ، {إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [الْحِجْرِ:٧١] {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} أَيْ: لَيْسَ لَنَا فِيهِنَّ أرَبٌ، {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هُودٍ:٧٩] فَلَمَّا اشْتَدَّ الْحَالُ وَأَبَوْا إِلَّا الدُّخُولَ، خَرَجَ عَلَيْهِمْ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَضَرَبَ أَعْيُنَهُمْ بِطَرَفِ جَنَاحِهِ، فَانْطَمَسَتْ أَعْيُنُهُمْ. يُقَالُ: إِنَّهَا غارت من وجوههم.


(١) في م، أ: "يبق".
(٢) زيادة من أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>