للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما ابن جرير فاختار عود الضمير في ذلك كله على الشمس، لجريان ذكرها. وقالوا في قوله: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا) يعني: إذا يغشى الشمس حين تغيب، فتظلم الآفاق.

وقال بَقِيَّة بن الوليد، عن صفوان، حدثني يزيد بن ذي حمامة (١) قال: إذا جاء الليل قال الرب : غشي عبادي خلقي العظيم، فالليل يهابه، والذي خلقه أحق أن يهاب. رواه ابن أبي حاتم.

وقوله: (وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا) يحتمل أن تكون "ما" هاهنا مصدرية، بمعنى: والسماء وبنائها. وهو قول قتادة، ويحتمل أن تكون بمعنى "مَن" يعني: والسماء وبانيها. وهو قول مجاهد، وكلاهما متلازم، والبناء هو الرفع، كقوله: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾ أي: بقوة ﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ﴾ [الذاريات: ٤٧، ٤٨].

وهكذا قوله: (وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا) قال مجاهد: (طَحَاهَا) دحاها. وقال العوفي، عن ابن عباس: (وَمَا طَحَاهَا) أي: خلق فيها.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (طَحَاهَا) قسمها.

وقال مجاهد، وقتادة والضحاك، والسُّدِّي، والثوري، وأبو صالح، وابن زيد: (طَحَاهَا) بسطها.

وهذا أشهر الأقوال، وعليه الأكثر من المفسرين، وهو المعروف عند أهل اللغة، قال الجوهري: طحوته مثل دحوته، أي: بسطته.

وقوله: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا) أي: خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة، كما قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٠] وقال رسول الله : "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانه أو يُنَصِّرانه أو يُمَجِّسانه، كما تولد البهيمة بهيمة جَمْعَاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ ".

أخرجاه من رواية أبي هريرة (٢)

وفي صحيح مسلم من رواية عياض بن حمار المجاشعي، عن رسول الله قال: "يقول الله ﷿: إني خلقت عبادي حُنَفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم" (٣).

وقوله: (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) أي: فأرشدها إلى فجورها وتقواها، أي: بين لها ذلك، وهداها إلى ما قدر لها.

قال ابن عباس: (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) بين لها الخير والشر. وكذا قال مجاهد، وقتادة، والضحاك، والثوري.


(١) في أ: "ذي حماية".
(٢) صحيح البخاري برقم (١٣٨٥) وصحيح مسلم برقم (٢٦٥٨).
(٣) صحيح مسلم برقم (٢٨٦٥)