للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الترمذي: حسن صحيح. وفي المسند من طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي في ليلة القدر: "إنها آخر ليلة" (١).

فصل

قال [الإمام] (٢) الشافعي في هذه الروايات: صدرت من النبي جوابًا للسائل إذ قيل له: ألتمس ليلة القدر في الليلة الفلانية؟ يقول: "نعم". وإنما ليلة القدر ليلة مُعَيَّنة: لا تنتقل. نقله الترمذي عنه بمعناه. وروي عن أبي قِلابَة أنه قال: ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر (٣).

وهذا الذي حكاه عن أبي قلابة نص عليه مالك، والثوري، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، والمزني، وأبو بكر بن خُزَيمة، وغيرهم. وهو محكي عن الشافعي -نقله القاضي عنه، وهو الأشبه -والله أعلم.

وقد يستأنس لهذا القول بما ثبت في الصحيحين، عن عبد الله بن عُمر: أن رجالا من أصحاب النبي أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر من رمضان، فقال رسول الله : "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان مُتحريها فَلْيَتَحرها في السبع الأواخر" (٤).

وفيها أيضًا عن عائشة، ، أن رسول الله قال: "تَحَرَّوْا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان" (٥) ولفظه للبخاري.

ويحتج للشافعي أنها لا تنتقل، وأنها معينة من الشهر، بما رواه البخاري في صحيحه، عن عبادة بن الصامت قال: خرج رسول الله ليخبرنا بليلة القدر، فَتَلاحى رجلان من المسلمين، فقال: "خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة" (٦).

وجه الدلالة منه: أنها لو لم تكن معينة مستمرة التعيين، لما حصل لهم العلم بعينها في كل سنة، إذا (٧) لو كانت تنتقل لما علموا تَعيُّنها إلا ذلك العام فقط، اللهم إلا أن يقال: إنه إنما خرج ليعلمهم بها تلك السنة فقط.

وقوله: "فتلاحى فلان وفلان فرفعت": فيه استئناس لما يقال: إن المماراة تقطع الفائدة والعلم النافع، وكما جاء في الحديث: "إن العبد ليُحْرَم الرزقَ بالذَّنْبِ يُصِيبه".

وقوله: "فرفعت" أي: رفع علم تَعينها لكم، لا أنها رفعت بالكلية من الوجود، كما يقوله


(١) لم أقع عليه في المسند، وقد ذكره السيوطي في الدر المنثور (٨/ ٥٧٢) وعزاه لأحمد، ولعلي أستدركه فيما بعد.
(٢) زيادة من أ.
(٣) سنن الترمذي (٣/ ١٥٩).
(٤) صحيح البخاري برقم (٢٠١٥) وصحيح مسلم برقم (١١٦٥).
(٥) صحيح البخاري برقم (٢٠١٧) وصحيح مسلم برقم (١١٦٩).
(٦) صحيح البخاري برقم (٢٠٢٣).
(٧) في أ: "إذ".