للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا فعل سعد بن أبي وقاص يوم فتح المدائن، ثم قال بعضهم: يصليها كلها بتسليمة واحدة. والصحيح أنه يسلم من كل ركعتين، كما ورد في سنن أبي داود: أن رسول الله كان يسلم يوم الفتح من كل ركعتين. وأما ما فسر به ابن عباس وعمر، ، من أن هذه السورة نُعِي فيها إلى رسول الله نفسه (١) الكريمة، واعلم أنك إذا فتحت مكة -وهي قريتك التي أخرجتك-ودخل الناس في دين الله أفواجًا، فقد فرغ شغلنا بك في الدنيا، فتهيأ للقدوم علينا والوفود إلينا، فالآخرة خير لك من الدنيا، ولسوف يعطيك ربك فترضى، ولهذا قال: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا).

قال النسائي: أخبرنا عمرو بن منصور، حدثنا محمد بن محبوب، حدثنا أبو عوانة، عن هلال ابن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما نزلت: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) إلى آخر السورة، قال: نُعيت لرسول الله نفسُه حين أنزلت، فأخذ في أشدّ ما كان اجتهادًا في أمر الآخرة، وقال رسول الله بعد ذلك: "جاء الفتح، وجاء نصر الله، وجاء أهل اليمن". فقال رجل: يا رسول الله، وما أهل اليمن؟ قال: "قوم رقيقة قلوبهم، لَيِّنة قلوبهم، الإيمان يَمانٍ، والحكمة يمانية، والفقه يمان" (٢).

وقال البخاري: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جَرير، عن منصور، عن أبي الضحَى، عن مسروق، عن عائشة قالت: كان رسول الله يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" يتأول القرآن.

وأخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي، من حديث منصور، به (٣).

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن أبي عدي، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق قال: قالت عائشة: كان رسول الله يكثر في آخر أمره من قول: "سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه". وقال: "إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي، وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره، إنه كان توابا، فقد رأيتها: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)

ورواه مسلم من طريق داود -وهو ابن أبي هند-به (٤).

وقال ابن جرير: حدثنا أبو السائب، حدثنا حفص، حدثنا عاصم، عن الشعبي، عن أم سلمة قالت: كان رسول الله في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد، ولا يذهب ولا يجيء، إلا قال: "سبحان الله وبحمده". فقلت: يا رسول الله، إنك تكثر من سبحان الله وبحمده، لا تذهب ولا تجيء، ولا تقوم ولا تقعد إلا قلت: سبحان الله وبحمده؟ قال: "إني أمرت بها"، فقال:


(١) في م "روحه".
(٢) سنن النسائي الكبرى برقم (١١٧١٢).
(٣) صحيح البخاري برقم (٤٩٦٨) وصحيح مسلم برقم (٤٨٤) وسنن أبي داود برقم (٨٧٧) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٧١٠) وسنن ابن ماجة برقم (٨٨٩).
(٤) المسند (٦/ ٣٥) وصحيح مسلم برقم (٤٨٤).