للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رجل أحول وضيء، ذو جُمَّة -يَقِفُ رسول الله على القبيلة فيقول: "يا بني فلان، إني رسول الله إليكم، آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئا، وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفِّذَ عن الله ما بعثني به". وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه: يا بني فلان، هذا يريد منكم أن تسلُخوا اللات والعزى، وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أُقَيْش، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له ولا تتبعوه. فقلت لأبي: من هذا؟ قال: عمه أبو لهب (١).

رواه أحمد أيضا، والطبراني بهذا اللفظ (٢).

فقوله تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) أي: خسرت وخابت، وضل عمله وسعيه، (وَتَبَّ) أي: وقد تب تحقق خسارته وهلاكه.

وقوله: (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ) قال ابن عباس وغيره: (وَمَا كَسَبَ) يعني: ولده. وَرُوي عن عائشة، ومجاهد، وعطاء، والحسن، وابن سيرين، مثله.

وذكر عن ابن مسعود أن رسول الله لما دعا قومه إلى الإيمان، قال أبو لهب: إذا كان ما يقول ابن أخي حقا، فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب بمالي وولدي، فأنزل الله: (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ).

وقوله: (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ) أي: ذات شرر ولهيب وإحراق شديد.

(وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) وكانت زوجته من سادات نساء قريش، وهي: أم جميل، واسمها أروى بنتُ حرب بن أمية، وهي أخت أبي سفيان. وكانت عونًا لزوجها على كفره وجحوده وعناده؛ فلهذا تكون يوم القيامة عَونًا عليه في عذابه في نار جهنم. ولهذا قال: (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) يعني: تحمل الحطب فتلقي على زوجها، ليزداد على ما هو فيه، وهي مُهَيَّأة لذلك مستعدة له.

(فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) قال مجاهد، وعروة: من مَسد النار.

وعن مجاهد، وعكرمة، والحسن، وقتادة، والثوري، والسدي: (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) كانت تمشي بالنميمة، [واختاره ابن جرير] (٣).

وقال العوفي عن ابن عباس، وعطية الجدلي، والضحاك، وابن زيد: كانت تضع الشوك في طريق رسول الله ، واختاره ابن جرير.

قال ابن جرير: وقيل: كانت تعير النبي بالفقر، وكانت تحتطب، فعيرت بذلك.

كذا حكاه، ولم يعزه إلى أحد. والصحيح الأول، والله أعلم.

قال سعيد بن المسيب: كانت لها قلادة فاخرة فقالت: لأنفقنها في عداوة محمد، يعني: فأعقبها الله بها حبلا في جيدها من مسد النار.


(١) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (١/ ٤٢٣).
(٢) المسند (٣/ ٤٩٢) والمعجم الكبير (٥/ ٦٣).
(٣) زيادة من م.