للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سياق الآية -فيتعين أن تكون منسوخة بآية الميراث، كما قاله أكثر المفسرين والمعتبرين من الفقهاء؛ فإنّ وجوب الوصية للوالدين والأقربين [الوارثين] (١) منسوخ بالإجماع. بل منهي عنه للحديث المتقدم: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث". فآية الميراث حكم مستقل، ووجوب من عند الله لأهل الفروض وللعصبات (٢)، رفع بها حكم هذه بالكلية. بقي الأقارب الذين لا ميراث لهم، يستحب له أن يُوصَى لهم من الثلث، استئناسًا بآية الوصية وشمولها، ولما ثبت في الصحيحين، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله : "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده". قال ابن عمر ما مرت عَلَيّ ليلة منذ سمعت رسول الله يقول ذلك إلا وعندي وصيتي (٣).

والآيات والأحاديث بالأمر ببر الأقارب والإحسان إليهم، كثيرة جدا.

وقال عبد بن حميد في مسنده: أخبرنا عبيد الله، عن مبارك بن حسان، عن نافع قال: قال عبد الله: قال رسول الله : "يقول الله تعالى: يا ابن آدم، ثنتان لم يكن لك واحدة منهما: جعلت لك نصيبا في مالك حين أخذت بكظمك؛ لأطهرك به وأزكيك، وصلاة عبادي عليك بعد انقضاء أجلك".

وقوله: (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا) أي: مالا. قاله ابن عباس، ومجاهد، وعطاء، وسعيد بن جُبَير، وأبو العالية، وَعَطية العَوْفي، والضحاك، والسدي، والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان، وقتادة، وغيرهم.

ثم منهم من قال: الوصية مشروعة سواء قَلّ المال أو كثُر كالوراثة (٤) ومنهم من قال: إنما يُوصِي إذا ترك مالا جزيلا ثم اختلفوا في مقداره، فقال ابن أبي حاتم:

حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري، أخبرنا سفيان، عن هشام بن عُرْوَة، عن أبيه، قال: قيل لعلي، : إن رجلا من قريش قد مات، وترك ثلاثمائة دينار أو أربعمائة (٥) ولم يوص. قال: ليس بشيء، إنما قال الله: (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا).

قال: وحدثنا هارون بن إسحاق الهمداني، حدثنا عَبْدة -يعني ابن سليمان -عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن عليا دخل على رجل من قومه يعوده، فقال له: أوصي؟ فقال له علي: إنما قال الله تعالى: (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ) إنما تركت شيئًا يسيرا، فاتركه لولدك.

وقال الحكم (٦) بن أبان: حدثني عن عكرمة، عن ابن عباس: (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا) قال ابن عباس: من لم يترك ستين دينارا لم يترك خيرًا، قال الحكم (٧): قال طاوس: لم يترك خيرًا من لم يترك ثمانين دينارا. وقال قتادة: كان يقال: ألفا فما فوقها.

وقوله: (بِالْمَعْرُوفِ) أي: بالرفق والإحسان، كما قال ابن أبي حاتم:


(١) زيادة من جـ، أ، و.
(٢) في جـ: "والعصبات".
(٣) صحيح البخاري برقم (٢٧٣٨) وصحيح مسلم برقم (١٦٢٧).
(٤) في أ: "كالوارثة".
(٥) في أ، و: "أربعمائة دينار".
(٦) في جـ: "الحاكم".
(٧) في جـ: "الحاكم".