للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سيرين، قال: جلس ابن عباس فقرأ سورة البقرة حتى أتى [على] (١) هذه الآية: (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ) فقال: نسخت هذه الآية.

وكذا رواه سعيد بن منصور، عن هشيم، عن يونس، به. ورواه الحاكم في مستدركه وقال: صحيح على شرطهما (٢).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: (الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ) قال: كان لا يرث مع الوالدين غيرهما إلا وصية للأقربين، فأنزل الله آية الميراث (٣) فبيَّن ميراث الوالدين، وأقر وصية الأقربين في ثلث مال الميت.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا حجاج بن محمد، أخبرنا ابن جريج، وعثمان بن عطاء، عن عطاء، عن ابن عباس، في قوله: (الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ) نسختها هذه الآية: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ [النساء: ٧].

ثم قال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن عمر (٤) وأبي موسى، وسعيد بن المسيَّب، والحسن، ومجاهد، وعطاء، وسعيد بن جُبَير، ومحمد بن سيرين، وعكرمة، وزيد بن أسلم، والربيع بن أنس، وقتادة، والسدي، ومقاتل بن حَيّان، وطاوس، وإبراهيم النَّخَعي، وشُرَيح، والضحاك، والزهري: أن هذه الآية منسوخة نسختها آية الميراث.

والعجب من أبي عبد الله محمد بن عمر (٥) الرازي -كيف حكى في تفسيره الكبير عن أبي مسلم الأصفهاني (٦) أن هذه الآية غير منسوخة، وإنما هي مُفَسرة بآية المواريث، ومعناه: كتب عليكم ما أوصى الله به من توريث (٧) الوالدين والأقربين. من قوله: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ﴾ [النساء: ١١] قال: وهو قولُ أكثر المفسرين والمعتبرين من الفقهاء. قال: ومنهم من قال: إنها منسوخة فيمن يرث، ثابتة فيمن لا يرث، وهو مذهب ابن عباس، والحسن، ومسروق، وطاوس، والضحاك، ومسلم بن يَسَار، والعلاء بن زياد.

قلت: وبه قال أيضًا سعيدُ بن جُبَير، والربيع بن أنس، وقتادة، ومقاتل بن حيان. ولكن على قول هؤلاء (٨) لا يسمى هذا نسخا في اصطلاحنا المتأخر؛ لأن آية الميراث إنما رفعت حكم بعض أفراد ما دل عليه عموم آية الوصاية، لأن "الأقربين" أعم ممن يرث ومن (٩) لا يرث، فرفع حكم من يرث بما عين له، وبقي الآخر على ما دلت عليه الآية الأولى. وهذا إنما يتأتى على قول بعضهم: أن الوصاية في ابتداء الإسلام إنما كانت ندبا حتى نسخت. فأما من يقول: إنها كانت واجبة وهو الظاهر من


(١) زيادة من جـ.
(٢) سنن سعيد بن منصور برقم (٢٥٢) بتحقيق االدكتور الحميد، والمستدرك (٢/ ٢٧٣).
(٣) في أ: "المواريث".
(٤) في جـ: "ابن أبي عمر".
(٥) في جـ: "ابن أبي عمر".
(٦) في أ: "الأصبهاني".
(٧) في جـ: "من تواريث".
(٨) في أ: "على قول هذا".
(٩) في أ: "وممن".