للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

"من أصيب بقتل أو خَبْل (١) فإنه يختار إحدى ثلاث: إما أن يقتص، وإما أن يعفو، وإما أن يأخذ الدية؛ فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه. ومن اعتدى بعد ذلك فله نار جهنم خالدا فيها" رواه (٢) أحمد (٣).

وقال سعيد بن أبي عَرُوبَة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال: قال رسول الله : "لا أعافي رجلا قتل بعد أخذ الدية -يعني: لا أقبل منه الدية -بل أقتله" (٤).

وقوله: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) يقول تعالى: وفي شَرْع القصاص لكم -وهو قتل القاتل -حكمة عظيمة لكم، وهي بقاء المُهَج وصَوْنها؛ لأنه إذا علم القاتلُ أنه يقتل انكفّ عن صنيعه، فكان في ذلك حياة النفوس. وفي الكتب المتقدمة: القتلُ أنفى للقتل. فجاءت هذه العبارة في القرآن أفصح، وأبلغ، وأوجز.

(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) قال أبو العالية: جعل الله القصاص حياة، فكم من رجل يريد أن يقتُل، فتمنعه مخافة أن يُقتل.

وكذا روي عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وأبي مالك، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان، (يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) يقول: يا أولي العقول والأفهام والنهى، لعلكم تنزجرون فتتركون محارم الله ومآثمه، والتقوى: اسم جامع لفعل الطاعات وترك المنكرات.

﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٨١)

اشتملت هذه الآية الكريمة على الأمر بالوصية للوالدين والأقربين. وقد كان ذلك واجبًا -على أصح القولين -قبل نزول آية المواريث، فلما نزلت آية الفرائض نسخت هذه، وصارت المواريث المقدرة فريضة من الله، يأخذها أهلوها حتمًا من غير وصية ولا تحمل منَّة (٥) الموصي، ولهذا جاء الحديث في السنن وغيرها عن عَمْرو بن خارجة قال: سمعت رسول الله يخطب وهو يقول: "إن الله قد أعطى كلّ ذي حق حقه، فلا وصية لوارث" (٦).

وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ابن عُلَية، عن يونس بن عبيد، عن محمد بن


(١) في أ: "أو ختل".
(٢) في جـ: "ورواه".
(٣) المسند (٤/ ٣١).
(٤) ذكره السيوطي في الدر المنثور (١/ ٤٢١) وعزاه لسمويه في فوائده، وروى البيهقي في السنن الكبرى (٨/ ٥٤) من طريق سعيد بن أبي عروبة عن مطر عن الحسن مرسلا بنحوه، وروى أبو داود في السنن برقم (٤٥٠٧) من طريق حماد عن مطر عن الحسن عن جابر بن عبد الله مرفوعا بنحوه.
(٥) في و: "مآنة"، وفي أ: "مانة".
(٦) سنن الترمذي برقم (٢١٢١) وسنن النسائي (٦/ ٢٤٧) وسنن ابن ماجة برقم (٢٧١٢).