للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مريم، حدثنا أبو غَسَّان محمد بن مُطَرِّف، حدثني أبو حازم، عن سهل بن سعد، قال: أنزلت: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ) ولم يُنزلْ (مِنَ الْفَجْرِ) وكان رجال إذا أرادوا الصوم، رَبَطَ أحدُهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد: (مِنَ الْفَجْرِ) فعلموا أنما يعني: الليل والنهار (١).

وقال الإمام أحمد: حدثنا هُشَيم، أخبرنا حُصَين، عن الشعبي، أخبرني عَديّ بن حاتم قال: لما نزلت هذه الآية: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ) عَمَدت إلى عقالين، أحدُهما أسود والآخر أبيض، قال: فجعلتهما تحت وسادتي، قال: فجعلت أنظر إليهما فلا تَبَيَّن (٢) لي الأسود من الأبيض، ولا الأبيض من الأسود، فلما أصبحت غدوت على رسول الله فأخبرته بالذي صنعت. فقال: "إنّ وسادك إذًا لعريض، إنما ذلك بياض النهار وسواد (٣) الليل" (٤).

أخرجاه في الصحيحين من غير وجه، عن عَديّ (٥). ومعنى قوله: "إن وسادك إذًا لعريض" أي: إن كان يسعُ لوضع الخيط الأسود والخيط الأبيض المرادين من هذه الآية تحتها، فإنهما بياض النهار وسواد الليل. فيقتضي أن يكون بعرض المشرق والمغرب.

وهكذا وقع في رواية البخاري مفسرا بهذا: أخبرنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، عن حُصَين، عن الشعبي، عن عَدِيّ قال: أخذ عَدي عقالا أبيض وعقالا أسود، حتى كان بعض الليل نظر فلم يتبينا (٦). فلما أصبح قال: يا رسول الله، جعلت تحت وسادتي. قال: "إن وسادك إذًا لعريض، إنْ كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك" (٧).

وجاء في بعض الألفاظ: إنك لعريض القفا. ففسره بعضهم بالبلادة، وهو ضعيف. بل يرجع إلى هذا؛ لأنه إذا كان وساده عريضا فقفاه أيضًا عريض، والله أعلم. ويفسره رواية البخاري أيضًا:

حدثنا قتيبة، حدثنا جرير، عن مُطَرّف، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله، ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أهما الخيطان؟ قال: "إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين". ثم قال: "لا بل هو (٨) سواد الليل وبياض النهار" (٩).

وفي إباحته تعالى جوازَ الأكل إلى طلوع الفجر، دليل على استحباب السَّحُور؛ لأنه من باب الرخصة، والأخذ بها محبوب؛ ولهذا وردت السنة الثابتة عن رسول الله بالحث على السَّحور [لأنه من باب الرخصة والأخذ بها] (١٠) ففي الصحيحين عن أنس قال: قال رسول الله : "تَسَحَّرُوا فإن في السَّحور بركة" (١١). وفي صحيح مسلم، عن عمرو بن العاص ، قال: قال


(١) صحيح البخاري برقم (٤٥١١).
(٢) في جـ: "فلما يتبين".
(٣) في جـ: "من سواد".
(٤) المسند (٤/ ٣٧٧).
(٥) صحيح البخاري برقم (١٩١٦، ٤٥٠٩) وصحيح مسلم برقم (١٠٩٠).
(٦) في أ، و: "فلم يستبينا".
(٧) صحيح البخاري برقم (٤٥٠٩).
(٨) في جـ: "بل هما".
(٩) صحيح البخاري برقم (٤٥١٠).
(١٠) زيادة من جـ.
(١١) صحيح البخاري برقم (١٩٢٣) وصحيح مسلم برقم (١٠٩٥).