للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الشافعي القولَ بصحة هذا المذهب على صحة هذا الحديث. قال البيهقي وغيره من الحفاظ: فقد صح، ولله الحمد.

وقوله: (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) قال الإمام مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي ابن أبي طالب أنه كان يقول: (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) شاة. وقال ابن عباس: الهَدْي من الأزواج الثمانية: من الإبل والبقر والمعز والضأن.

وقال الثوري، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) قال: شاة. وكذا قال عطاء، ومجاهد، وطاوس، وأبو العالية، ومحمد بن علي بن الحسين، وعبد الرحمن بن القاسم، والشعبي، والنّخعي، والحسن، وقتادة، والضحاك، ومقاتل بن حيان، وغيرهم مثلَ ذلك، وهو مذهب الأئمة الأربعة.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم، عن عائشة وابن عمر: أنهما كانا لا يريان ما استيسر من الهدي إلا من الإبل والبقر.

قال: ورُوِي عن سالم، والقاسم، وعروة بن الزبير، وسعيد بن جبير -نحوُ ذلك.

قلت: والظاهر أن مستند هؤلاء فيما ذهبوا إليه قضية (١) الحديبية، فإنه لم يُنْقَل عن أحد منهم أنه ذبح في تحلله ذاك شاة، وإنما ذبحوا الإبل والبقر، ففي الصحيحين عن جابر قال: أمرنا رسولُ الله أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بقرة (٢).

وقال عبد الرزاق: أخبرنا مَعْمَر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) قال: بقدر يَسَارته (٣).

وقال العوفي، عن ابن عباس: إن كان موسرًا فمن الإبل، وإلا فمن البقر، وإلا فمن الغنم. وقال هشام بن عروة، عن أبيه: (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) قال: إنما ذلك فيما بين الرّخص والغلاء.

والدليل على صحة قول الجمهور فيما ذهبوا إليه من إجْزَاء ذبح الشاة في الإحصار: أن الله أوجب ذبح ما استيسر من الهدي، أي: مهما تيسر مما يسمى هديًا، والهَدْي من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم، كما قاله الحَبْر البحر (٤) ترجمان القرآن وابن عم الرسول . وقد ثَبتَ في الصحيحين عن عائشة أمّ المؤمنين، ، قالت: أهْدَى النبي مَرة غنمًا (٥).

وقوله: (وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) معطوف على قوله: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وليس معطوفًا على قوله: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) كما زعمه ابن جرير، ؛ لأن النبي وأصحابه عام الحديبية لما حصرهم كفار قريش عن الدخول إلى الحرم، حلقوا وذبحوا هديهم خارج الحرم، فأما في حال الأمن والوصول إلى الحرم فلا يجوز الحلق (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)


(١) في جـ، أ: "قصة".
(٢) صحيح مسلم برقم (١٣١٨).
(٣) في أ: "يساره".
(٤) في ط: "البحر الحبر".
(٥) صحيح البخاري برقم (١٧٠١) وصحيح مسلم برقم (١٣٢١).