للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

التشريق. وبهذا يقول عُبَيد بن عُمَير الليثي (١) وعكرمة، والحسن البصري، وعروة بن الزبير؛ وإنما قالوا ذلك لعموم قوله: (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) والجديد من القولين: أنه لا يجوز صيامها أيام التشريق، لما رواه مسلم عن نبَيْشَة (٢) الهذلي، ، قال: قال رسول الله : "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله" (٣).

وقوله: (وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) فيه قولان:

أحدهما: إذا رجعتم في الطريق. ولهذا قال مجاهد: هي رخصة إذا شاء صامها في الطريق. وكذا قال عطاء بن أبي رباح.

والقول الثاني: إذا رجعتم إلى أوطانكم؛ قال عبد الرزاق: أخبرنا الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن سالم، سمعت ابن عمر قال: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) قال: إذا رَجَع إلى أهله (٤)، وكذا رُوي عن سعيد بن جُبَير، وأبي العالية، ومجاهد، وعطاء، وعكرمة، والحسن، وقتادة، والزهري، والربيع بن أنس. وحكى على ذلك أبو جعفر بن جرير الإجماع.

وقد قال البخاري: حدثنا يحيى بن بُكَير، حدثنا الليث، عن عُقَيل، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله أن ابن عمر قال: تمتع رسول الله في حَجَّة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهَدْي من ذي الحُلَيفة، وبدأ رسول الله فأهلَّ بالعمرة، ثم أهلَّ بالحج، فتمتع الناس مع النبي بالعمرة إلى الحج. فكان مِنَ الناس مَنْ أهدى فساق الهَدْي، ومنهم من لم يُهْد. فلما قدم النبي مكة قال للناس: "من كان منكم أهدى فإنه لا يَحل لشيء حَرُم منه حتَى يقضي حَجّه، ومَنْ لم يكن منكم أهدى فَلْيَطُفْ بالبيت وبالصفا والمروة، وَلْيُقَصِّر وليَحللْ (٥) ثم ليُهِلّ بالحج، فمن لم يجد هديًا، فليصُمْ ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله". وذكر تمام الحديث (٦).

قال الزهري: وأخبرني عروة، عن عائشة بمثل ما أخبرني سالم عن أبيه والحديث مخرج في الصحيحين من حديث الزهري، به (٧).

وقوله: (تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) قيل: تأكيد، كما تقول العرب: رأيت بعيني، وسمعت بأذني وكتبت بيدي. وقال الله تعالى: ﴿وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ [الأنعام: ٣٨] وقال: ﴿وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ [العنكبوت: ٤٨]، وقال: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ [الأعراف: ١٤٢].

وقيل: معنى (كَامِلَةٌ) الأمْرُ بإكمالها وإتمامها، اختاره ابنُ جرير. وقيل: معنى (كَامِلَةٌ) أي: مُجْزئة عن الهَدْي. قال (٨) هُشَيْم، عن عباد بن راشد، عن الحسن البصري، في قوله: (تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) قال: مِنَ الهَدْي.


(١) في جـ: "المكثي".
(٢) في جـ: "عن ابن نبيشة".
(٣) صحيح مسلم برقم (١١٤١).
(٤) تفسير عبد الرزاق (١/ ٩٣).
(٥) في جـ: "وليتحلل".
(٦) صحيح البخاري برقم (١٦٩١).
(٧) صحيح البخاري برقم (١٦٩٢) وصحيح مسلم برقم (١٢٢٨).
(٨) في أ: "قاله".