للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) قال ابن جرير: اختلف أهلُ التأويل فيمن عُني بقوله: (لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) بعد إجماع جميعهم على أن أهل الحرم مَعْنِيُّون به، وأنه لا متعة لهم، فقال بعضهم: عني بذلك أهل الحرم خاصة دون غيرهم.

حدثنا ابن بشار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان -هو الثوري -قال: قال ابن عباس ومجاهد: هم أهل الحَرَم. وكذا روى ابن المبارك، عن الثوري، وزاد: الجماعة عليه.

وقال قتادة: ذُكر لنا أن ابن عباس كان يقول: يا أهل مكة، لا متعة لكم، أحلت لأهل الآفاق وحُرِّمت عليكم، إنما يقطع أحدكم واديا -أو قال: يجعل بينه وبين الحرم واديًا (١) -ثم يُهِلّ بعمرة.

وقال عبد الرزاق: حدثنا (٢) مَعْمَر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: المتعةُ للناس -لا لأهل مكة -مَنْ لم يكن أهله من الحرم. وذلك قول الله ﷿: (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) قال: وبلغني عن ابن عباس مثلُ قول طاوس.

وقال آخرون: هم أهل الحرم ومن بَيْنه وبين المواقيت،، كما قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن رجل، عن عطاء، قال: من كان أهله دون المواقيت، فهو كأهل مكة، لا يتمتع (٣).

وقال عبد الله بن المبارك، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن مكحول، في قوله: (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) قال: من كان دون الميقات.

وقال ابن جُرَيْج عن عطاء: (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) قال: عرفة، ومَرّ، وعُرَنة، وضَجْنان، والرجيع (٤).

وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، سمعت الزهري يقول: من كان أهله على يوم أو نَحْوه تَمتَّع. وفي رواية عنه: اليوم واليومين. واختار ابن جرير في ذلك مذهب الشافعي أنهم أهل الحرم، ومن كان منه على مسافة لا تُقْصَر منها (٥) الصلاة؛ لأن من كان كذلك يعد حاضرا لا مسافرًا، والله أعلم.

وقوله: (وَاتَّقُوا اللَّهَ) أي: فيما أمركم (٦) وما نهاكم (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) أي: لمن خالف (٧) أمره، وارتكب ما عنه زجره.

﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ (١٩٧)

اختلف أهل العربية في قوله: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) فقال بعضهم: [تقديره] (٨) الحج حَجُّ أشهر معلومات، فعلى هذا التقدير يكون الإحرام بالحج فيها أكمل من الإحرام به فيما عداها، وإن كان ذاك صحيحا، والقول بصحة الإحرام بالحج في جميع السّنَةِ مذهبُ مالك، وأبي حنيفة، وأحمد


(١) في ط: "واديا واديا".
(٢) في ط: "أخبرنا".
(٣) تفسير عبد الرزاق (١/ ٩٣).
(٤) في و: "الضجيع".
(٥) في جـ، ط، أ، و: "فيها".
(٦) في ط: "فيما أمركم به".
(٧) في ط: "لمن خاف".
(٨) زيادة من جـ، أ، و.