للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٤) لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٢٥)

يقول تعالى: لا تجعلوا أيمانكم بالله تعالى مانعة لكم من البر وصلة الرحم إذا حلفتم على تركها، كقوله تعالى: ﴿وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٢٢]، فالاستمرار على اليمين آثَمُ لصاحبها من الخروج منها بالتكفير. كما قال البخاري:

حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا مَعْمَر، عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن النبي قال: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة"، وقال رسول الله : "والله لأن يلجَّ أحدكم بيمينه في أهله آثمُ له عند الله من أن يُعطي كفارته التي افترض الله عليه".

وهكذا رواه مسلم، عن محمد بن رافع (١) عن عبد الرزاق، به. ورواه أحمد، عنه، به (٢).

ثم قال البخاري: حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا يحيى بن صالح، حدثنا معاوية، هو ابن سلام، عن يحيى، وهو ابن أبي كثير، عن عكرمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "من استلج (٣) في أهله بيمين، فهو أعظم إثمًا، ليس تغني الكفارة" (٤).

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأيْمَانِكُمْ) قال: لا تجعلن عرضة ليمينك (٥) ألا تصنع الخير، ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير.

وهكذا قال مسروق، والشعبي، وإبراهيم النخعي، ومجاهد، وطاوس، وسعيد بن جبير، وعطاء، وعكرمة، ومكحول، والزهري، والحسن، وقتادة، ومقاتل بن حيان، والربيع بن أنس، والضحاك، وعطاء الخراساني، والسدي. ويؤيد ما قاله هؤلاء الجمهور ما ثبت في الصحيحين، عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله : "إني والله -إن شاء الله -لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها" (٦) وثبت فيهما أيضًا أن رسول الله قال لعبد الرحمن بن سمرة: "يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت خيرًا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك" (٧).

وروى مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا


(١) في جـ: "بن نافع".
(٢) صحيح البخاري برقم (٦٦٢٤، ٦٦٢٥) وصحيح مسلم برقم (١٦٥٥).
(٣) في جـ: "من استبلج"، وفي أ: "من أسلح".
(٤) صحيح البخاري برقم (٦٦٢٦).
(٥) في أ: "ليمنيكم".
(٦) صحيح البخاري برقم (٦٦٢٣) وصحيح مسلم برقم (١٦٤٩).
(٧) صحيح البخاري برقم (٦٦٢٢، ٧١٤٦) وصحيح مسلم برقم (١٦٥٢).