للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هذا إرشاد من الله تعالى (١) للوالدات: أن يرضعن أولادهن كمال الرضاعة، وهي سنتان، فلا اعتبار بالرضاعة بعد ذلك؛ ولهذا (٢) قال: (لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) وذهب أكثر الأئمة إلى أنه لا يحرم من الرضاعة إلا ما كان دون الحولين، فلو ارتضع المولود وعمره فوقهما لم يحرم.

قال (٣) الترمذي: "باب ما جاء أن الرضاعة لا تحرم إلا في الصغر (٤) دون الحولين": حدثنا قتيبة، حدثنا أبو عوانة، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله : "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام". وقال: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله وغيرهم: أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين، وما كان بعد الحولين الكاملين فإنه لا يحرم شيئًا. وفاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام، وهي امرأة هشام بن عروة (٥).

قلت: تفرد الترمذي برواية هذا الحديث، ورجاله على شرط الصحيحين، ومعنى قوله: إلا ما كان في الثدي، أي: في محل (٦) الرضاعة قبل الحولين، كما جاء في الحديث، الذي رواه أحمد، عن وَكِيع وغندر، عن شعبة، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب قال: لما مات إبراهيم ابن النبي قال: "إن له مرضعًا (٧) في الجنة". وهكذا أخرجه البخاري من حديث شعبة (٨) وإنما قال، ، ذلك؛ لأن ابنه إبراهيم، ، مات وله سنة وعشرة أشهر، فقال: "إن له مرضعًا في الجنة" يعني: تكمل رضاعه، ويؤيده ما رواه الدارقطني، من طريق الهيثم بن جميل، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: قال رسول الله : "لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الحولين"، ثم قال: لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل، وهو ثقة حافظ (٩).

قلت: وقد رواه الإمام مالك في الموطأ، عن ثور بن زيد، عن ابن عباس موقوفًا (١٠) (١١). ورواه الدراوردي عن ثور، عن عكرمة، عن ابن عباس وزاد: "وما كان بعد الحولين فليس بشيء"، وهذا أصح.

وقال أبو داود الطيالسي، عن جابر قال: قال رسول الله : "لا رضاع بعد فصال، ولا يُتْم بعد احتلام"، وتمام الدلالة من هذا الحديث في قوله: ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ [لقمان: ١٤]. وقال: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾ [الأحقاف: ١٥]. والقول بأن الرضاعة لا تحرم بعد الحولين مروي عن


(١) في جـ: "من الله ".
(٢) في جـ: "فلهذا".
(٣) في جـ: "وقال".
(٤) في أ: "في الصغير".
(٥) سنن الترمذي برقم (١١٥٢).
(٦) في جـ، أ: "في حال".
(٧) في أ، و: "إن ابني مات وإن له مرضعا".
(٨) المسند (٤/ ٣٠٠) وصحيح البخاري برقم (١٣٨٢).
(٩) سنن الدارقطني (٤/ ١٧٤).
(١٠) في هـ: "مرفوعا" والصواب ما أثبتناه من جـ، أ، و، وهو ما نبه عليه الشيخ أحمد شاكر .
(١١) الموطأ (٢/ ٦٠٢).