للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

علي، وابن عباس، وابن مسعود، وجابر، وأبي هريرة، وابن عمر، وأم سلمة، وسعيد بن المسيب، وعطاء، والجمهور. وهو مذهب الشافعي، وأحمد، وإسحاق، والثوري، وأبي يوسف، ومحمد، ومالك في رواية، وعنه: أن مدته سنتان وشهران، وفي رواية: وثلاثة أشهر. وقال أبو حنيفة: سنتان وستة أشهر، وقال زفر بن الهذيل: ما دام يرضع فإلى ثلاث سنين، وهذا رواية عن الأوزاعي. قال مالك: ولو فطم الصبي دون الحولين فأرضعته امرأة بعد فصاله لم يحرم؛ لأنه قد صار بمنزلة الطعام، وهو رواية عن الأوزاعي، وقد روي عن عمر وعلي أنهما قالا لا رضاع بعد فصال، فيحتمل أنهما أرادا الحولين كقول الجمهور، سواء فطم أو لم يفطم، ويحتمل أنهما أرادا الفعل، كقول مالك، والله أعلم.

وقد روي في الصحيح (١) عن عائشة، : أنها كانت ترى رضاع الكبير يؤثر في التحريم، وهو قول عطاء بن أبي رباح، والليث بن سعد، وكانت عائشة تأمر بمن تختار أن يدخل عليها من الرجال لبعض نسائها فترضعه، وتحتج في ذلك بحديث سالم مولى أبي حذيفة حيث أمر النبي امرأة أبي حذيفة أن ترضعه، وكان كبيرًا، فكان يدخل عليها بتلك الرضاعة، وأبى ذلك سائر أزواج النبي ، ورأين (٢) ذلك من الخصائص، وهو قول الجمهور. وحجة الجمهور -منهم الأئمة الأربعة، والفقهاء السبعة، والأكابر من الصحابة، وسائر أزواج رسول الله سوى عائشة -ما ثبت في الصحيحين، عن عائشة: أن رسول الله قال: "انظرْنَ من إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة" (٣). وسيأتي الكلام على مسائل الرضاع، وفيما يتعلق برضاع الكبير، عند قوله تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ [النساء: ٢٣]

وقوله: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي: وعلى والد الطفل نفقة الوالدات وكسوتهن بالمعروف، أي: بما جرت به عادة أمثالهن في بلدهنّ من غير إسراف ولا إقتار، بحسب قدرته في يساره وتوسطه وإقتاره، كما قال تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطلاق: ٧]. قال الضحاك: إذا طلَّقَ [الرجل] (٤) زوجته وله منها ولد، فأرضعت له ولده، وجب على الوالد نفقتها وكسوتها بالمعروف.

وقوله: (لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا) أي: لا تدفعه (٥) عنها لتضر أباه بتربيته، ولكن ليس لها دفعُه إذا ولدته حتى تسقيه اللّبأ (٦) الذي لا يعيش بدون تناوله غالبًا، ثم بعد هذا لها رفعه عنها إن شاءت، ولكن إن كانت مضارة لأبيه فلا يحل لها ذلك، كما لا يحل له انتزاعه منها لمجرد الضّرار لها. ولهذا قال: (وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) أي: بأن يريد أن ينتزع الولد منها إضرارًا بها، قاله مجاهد، وقتادة، والضحاك، والزهري، والسدي، والثوري، وابن زيد، وغيرهم.


(١) في أ: "في الصحيحين".
(٢) في جـ: "ويروى".
(٣) صحيح البخاري برقم (٢٦٤٧) وصحيح مسلم برقم (١٤٥٥).
(٤) زيادة من جـ.
(٥) في أ، و: "بأن تدفعه".
(٦) في جـ: "اللبأة".