للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أبي عامر عبد الله بن لُحَيٍّ (١) قال: حججنا مع معاوية بن أبي سفيان، فلما قدمنا مكة قام حين صلى [صلاة] (٢) الظهر فقال: إن رسول الله قال: "إنَّ أهْلَ الْكَتَابَيْنِ افْتَرَقُوا في دِينِهِمْ عَلَى ثنتيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وإنَّ هذِهِ الأمَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً -يعني الأهواء-كُلُّهَا فِي النَّار إلا وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ، وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ تُجَارى بِهِمْ تِلْكَ الأهْواء، كَمَا يَتَجَارى الكَلبُ بصَاحِبِهِ، لا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلا مَفْصِلٌ إلا دَخَلَهُ. واللهِ -يَا مَعْشَر العَربِ-لَئِنْ لَمْ تَقُومُوا بِمَا جاء بِهِ نَبِيُّكُمْ لَغَيْرُكم (٣) مِن النَّاسِ أحْرَى ألا يَقُومَ بِهِ".

وهكذا رواه أبو داود، عن أحمد بن حنبل ومحمد بن يحيى، كلاهما عن أبي المغيرة -واسمه عبد القدوس بن الحجاج الشامي-به، وقد رُوي هذا الحديث من طرق (٤).

وقوله تعالى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) يعني: يوم القيامة، حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسودّ وجوه أهل البِدْعَة والفرقة، قاله ابن عباس، (٥).

(فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) قال الحسن البصري: وهم المنافقون: (فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) وهذا الوصف يَعُمّ كل كافر.

(وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) يعني: الجنة، ماكثون فيها أبدا لا يبغون عنها حوَلا. وقد قال أبو عيسى الترمذي عند تفسير هذه الآية: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا وَكِيع، عن رَبِيع -وهو ابن صَبِيح (٦) -وحَمَّاد بن سلمة، عن أبي غالب قال: رأى أبو أمامة رءوسا منصوبة على دَرَج دمشق، فقال أبو أمامة: كلاب النار، شر قتلى تحت أديم السماء، خَيْرُ قتلى من قتلوه، ثم قرأ: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) إلى آخر الآية. قلت لأبي أمامة: أنت سمعته من رسول الله ؟ قال: لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا أو أربعا -حتى عَدّ سبعا-ما حَدّثتكموه.

ثم قال: هذا حديث حسن: وقد رواه ابن ماجة من حديث سفيان بن عيينة عن أبي غالب، وأخرجه أحمد في مسنده، عن عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن أبي غالب، بنحوه (٧). وقد روى ابن مَرْدُويَه عند تفسير هذه الآية، عن أبي ذر، حديثًا مطولا غريبا عجيبا جدا.

ثم قال [تعالى] (٨) (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ) أي: هذه آيات الله وحُجَجُه وبيناته (نَتْلُوهَا عَلَيْكَ) يا محمد (بِالْحَقِّ) أي: نكشف (٩) ما الأمر عليه في الدنيا والآخرة.

(وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ) أي: ليس بظالم لهم بل هو الحَكَم العدل الذي لا يجور؛ لأنه القادر


(١) في ر: "لجي".
(٢) زيادة من أ، و.
(٣) في جـ: "فغيركم".
(٤) المسند (٤/ ١٠٢) وسنن أبي داود برقم (٤٥٩٧).
(٥) في ر: "عنه".
(٦) في ر: "صبح".
(٧) سنن الترمذي برقم (٣٠٠٠) وسنن ابن ماجة برقم (١٧٦).
(٨) زيادة من أ، و.
(٩) في جـ: "ينكشف".