للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على كل شيء، العالم بكل شيء، فلا يحتاج مع ذلك إلى أن يظلم أحدا من خلقه؛

﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ (١٠٩)

ولهذا قال (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ) أي: الجميع ملْك له وعبيد له. (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ) أي: هو المتصرف في الدنيا والآخرة، الحاكم في الدنيا والآخرة.

﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (١١٠) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١١١) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (١١٢)

يخبر تعالى عن هذه الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم فقال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ).

قال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف، عن سفيان، عن مَيْسَرة، عن أبي حازم، عن أبي هريرة: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) قال: خَيْرَ الناس للناس، تأتون (١) بهم السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام (٢).

وهكذا قال ابن عباس، ومُجاهد، وعِكْرِمة، وعَطاء، والربيع بن أنس، وعطية العَوْفيّ: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) يعني: خَيْرَ الناس للناس.

والمعنى: أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس؛ ولهذا قال: (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ (٣) بِاللَّهِ)

قال الإمام أحمد: حدثنا أحمد بن عبد الملك، حدثنا شريك، عن سِماك، عن عبد الله بن عُمَيرة عن زوج [ذُرّةَ] (٤) بنت أبي لَهَب، [عن درة بنت أبي لهب] (٥) قالت: قام رجل إلى النبي وهو على المنبر، فقال: يا رسول الله، أيّ الناس خير؟ فقال: "خَيْرُ النَّاسِ أقْرَؤهُمْ وأتقاهم للهِ، وآمَرُهُمْ بِالمعروفِ، وأنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَوْصَلُهُمْ لِلرَّحِمِ" (٦).

ورواه أحمد في مسنده، والنسائي في سننه، والحاكم في مستدركه، من حديث سماك، عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس في قوله: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) قال: هم الذين هاجروا مع رسول الله من مكة إلى المدينة (٧).


(١) في جـ، ر، أ، و: "يأتون".
(٢) صحيح البخاري برقم (٤٥٥٧).
(٣) في ر: "يؤمنون".
(٤) زيادة من جـ، ر، أ، والمسند.
(٥) زيادة من جـ، ر، أ، والمسند.
(٦) المسند (٦/ ٤٣٢).
(٧) المسند (١/ ٣١٩) والنسائي في السنن الكبرى (١١٠٧٢) والمستدرك (٢/ ٢٩٤) وقال الحاكم: "صحيح الإسناد على شرط مسلم" ووافقه الذهبي.