للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والصحيح أن هذه الآية عامةٌ في جميع الأمة، كل قَرْن بحسبه، وخير قرونهم الذين بُعثَ فيهم (١) رسول الله ، ثم الذين يَلونهم، ثم الذين يلونهم، كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ أي: خيارا ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا] (٢)﴾ الآية.

وفي مسند الإمام أحمد، وجامع الترمذي، وسنن ابن ماجة، ومستدرك الحاكم، من رواية حكيم بن مُعَاوية بن حَيْدَة، عن أبيه قال: قال رسول الله : "أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أنْتُمْ خَيْرُهَا، وأنْتُمْ أكْرَمُ عَلَى اللهِ ﷿" (٣).

وهو حديث مشهور، وقد حَسَّنه الترمذي. ويروى من حديث معاذ بن جبل، وأبي سعيد [الخدري] (٤) نحوه.

وإنما حازت هذه الأمة قَصَبَ السَّبْق إلى الخيرات بنبيها محمد (٥) فإنه أشرفُ خلق الله أكرم الرسل على الله، وبعثه الله بشرع كامل عظيم لم يُعْطه نبيًّا قبله ولا رسولا من الرسل. فالعمل [على] (٦) منهاجه وسبيله، يقوم القليلُ منه ما لا يقوم العملُ الكثيرُ من أعمال غيرهم مقامه، كما قال الإمام أحمد:

حدثنا عبد الرحمن، حدثنا ابن زُهَير، عن عبد الله -يعني ابن محمد بن عقيل-عن محمد بن علي، وهو ابن الحنفية، أنه سمع علي بن أبي طالب، ، يقول: قال رسول الله : "أُعْطِيتُ مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنْ الأنْبِيَاءِ". فقلنا: يا رسول الله، ما هو؟ قال: " نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الأرْضِ، وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ، وَجُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُورًا، وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الأمَمِ". تفرد به أحمد من هذا الوجه، وإسناده حسن (٧).

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو العلاء الحسن بن سَوَّار، حدثنا لَيْث، عن معاوية عن بن أبي حُلَيْس يزيد بن مَيْسَرَةَ قال: سمعت أم الدرداء، ، تقول: سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت أبا القاسم ، وما سمعته يكنيه قبلها ولا بعدها، يقول (٨) إنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: "يَا عِيسَى، إنِّي بَاعِثٌ بَعْدَكَ أُمَّةً، إنْ أَصَابَهُمْ مَا يُحِبُّونَ حَمِدُوا وشَكَرُوا، وإنْ أصَابَهُمْ مَا يَكْرَهُونَ احْتَسَبُوا وَصَبَرُوا، وَلا حِلْمَ وَلا عِلْمَ". قال: يَا رَبِّ، كَيْفَ هَذَا لهُمْ، وَلا حِلْمَ وَلا عِلْمَ؟. قال: "أُعْطِيهِمْ مِن حِلْمِي وعلمي" (٩) (١٠).


(١) في أ: "الذي بعث فيه".
(٢) زيادة من جـ، ر، أ، و.
(٣) المسند (٤/ ٤٤٧) وسنن الترمذي برقم (٣٠٠١) وسنن ابن ماجة برقم (٤٢٨٧) والمستدرك (٤/ ٨٤).
(٤) زيادة من جـ.
(٥) في و: "صلوات الله وسلامه عليه".
(٦) زيادة من جـ، ر.
(٧) المسند (١/ ٩٨) وقال الهيثمي في المجمع (١/ ٢٦٠): "فيه عبد الله بن محمد بن عقيل وهو سيئ الحفظ. وقال الترمذي: صدوق وقد تكلم فيه بعض العلماء من قبل حفظه، وسمعت محمد البخاري يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق والحميدي يحتجون بحديث ابن عقيل. قلت: فالحديث حسن".
(٨) في ر: "تقول".
(٩) المسند (٦/ ٤٥٠).
(١٠) المسند (٦/ ٤٥٠).