لدى العرب أجمعين، لا ينبغي أن تهفو إليه قلوب العقلاء ما دام محاطًا بهذه الأحجار التي لا تضر ولا تنفع، ولا تسمع ولا تبصر، وما دام السفهاء من الناس يلتمسون الخير والبركة في ظل تلك الأحجار، ويعتقدون أنها تشع لهم عند الله، فتيسر على الفقير وتهب الصحة للمريض ويرونها الملاذ الآمن فيلجئون إليها في الشدائد والكروب، ويستنصرون بها إذا نزلت بهم الخطوب.
أجل كان محمد صلوات الله وسلامه عليه -وهو الذي صنعه الله على عينه، ووهبه رجحان العقل وسداد الرأي ونفاذ البصيرة- ينظر إلى الملأ من قريش، فيعجب كل العجب حينما يراهم -وفيهم أفذاذ الرجال الذين صقلتهم التجارب والحوادث- ولكنهم على الرغم من ذلك كله يعكفون على أصنام لهم، ولئن سألتهم: لم تعبدون ما لا يسمع ولا يبصر؟ فإنهم يتشبثون بمنطق زائف كليل، وحجة داحضة عمياء ويقولون:{وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ}[الأنبياء: من الآية: ٥٣] .
وكان من الطبيعي أن يضيق محمد -صلى الله عليه وسلم- بهذا الجو الخانق، وينفر من هذه البيئة الفاسدة، ويلتمس له من هذا الضيق فرجًا ومخرجًا. وإذن فإلى أين المصير؟ وكيف يكون المخرج من هذا الفساد المستحكم والشر المستطير؟