للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة]

اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون الكعبة قبلة للمسلمين بعد أن حازوا شرف التوجه إلى بيت المقدس؛ ليكونوا من أهل القبلتين، وليتميزوا عن المشركين قبل الهجرة وعن اليهود بعدها، فتطلع الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو بالمدينة بعد الهجرة واشتد شوقًا إلى نزول الوحي عليه بالتوجه إلى بيت الله الحرام. وقد كان يتوقع ذلك من ربه لأن الكعبة أقدم القبلتين، ولأنها قبلة إبراهيم عليه السلام، ومفخرة العرب حيث كانت مثابة للناس وأمنًا ومزارًا ومطافًا، وذلك أدعى إلى دخول العرب في الإسلام، فنزل قول الله تعالى:

{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} ١.

ومعنى ذلك أن الله يقول لرسوله -صلى الله عليه وسلم: قد شاهدنا وعلمنا تردد وجهك وتسريح نظرك إلى جهة السماء، تطلعًا منك إلى نزول الوحي عليك، وتوقعًا لما ألقى في روعك من تحويل القبلة إلى الكعبة، سعيًا منك وراء استمالة العرب إلى دخولهم في الإسلام، ومخالفة لليهود الذين كانوا يقولون: إنه يخالفنا في ديننا ثم إنه يتبع قبلتنا، حتى روي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لجبريل: "وددت أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها". فقال له جبريل: أنا عبد مثلك، وأنت كريم على ربك، فادع ربك وسله".


١ سورة البقرة، الآية ١٤٤.

<<  <   >  >>