للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أوصاهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ألا يقتلوا وليدًا أو امرأة، فخرجوا حتى قدموا خيبر وأتو دار ابن أبي الحقيق ليلًا.

يقول قائلهم: فلما دخلنا عليه ابتدرناه وهو على فراشه بأسيافنا فوالله ما يدلنا عليه في سواد الليل إلا بياضه، كأنه قبطية ملقاة -قال: ولما صاحت بنا امرأته جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه، ثم يذكر نهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيكف يده، ولولا ذلك لفرغنا منها بليل.

وهكذا كانت نهاية ابن أبي الحقيق، كما كانت نهاية صاحبه ابن الأشرف من قبله، وهكذا تكون نهاية الغدر والخيانة والظلم والعدوان. وفي هذا يقول حسان بن ثابت وهو يذكر قتل كعب بن الأشرف وسلام بن أبي الحقيق:

لله در عصابة لاقيتهم ... ابن الحقيق وأنت يابن الأشرف

ييسرون بالبيض الخفاف إليكم ... مرحًا كأسد في عرين مغرف

حتى أتوكم في محل بلادكم ... فسقوكم حتفًا ببيض ذفف

مستنصرين لنصر دين نبيهم ... مستصغرين لكل أمر مجحف١.

وبعد فهذه صورة واحدة من صور كثيرة تبين لنا حالة الأوس والخزرج، بعد أن صقل الإسلام نفوسهم وطهرها من شوائب العصبية القبلية البغيضة، وكيف أصبحوا إخوة متضامنين، ينافس بعضهم بعضًا في العمل الذي يعلي كلمة الحق، ويدعم بناء الدولة الإسلامية الكبرى.


١ ذكر ذلك ابن إسحاق، وعنه الحافظ ابن كثير في "البداية" ٣/ ١٣٨، وأصل القصة في صحيح البخاري كما مضى دون ذكر شعر حسان.

<<  <   >  >>