ومنذ أول يوم استقر فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في يثرب بدأ يؤسس الدولة الإسلامية الكبرى التي أذن الله لها -فيما بعد- أن تمتد في كل اتجاه وتضم بين ذراعيها أقوى دولتين كانتا تتحكمان في هذا العالم، وهما: دولة الفرس ودولة الروم.
وإذا كان كثير من المؤرخين قد درجوا على أن يجعلوا الأسس التي أقيمت عليها الدولة الإسلامية حينئذ ثلاثة فحسب، وهي: بناء المسجد، والمؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين، والمعاهدة بين الرسول وبين اليهود، فإننا لدى التأمل نستطيع أن نضيف إليها أسسا أخرى لها أهميتها الكبرى وهي: إلغاء العصبية القبلية بين الأوس والخزرج، حيث حول الإسلام قوتها المدمرة إلى قوة نافعة معمرة، وتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، إذ ترتب على هذا التحول ترغيب كثير من القبائل العربية في الإسلام الذي يقدس بيت الله الحرام، وتوجيه المسلمين إلى القتال في سبيل الله حتى يتطهر الجو الذي كان يحيط بهم من عوامل الشر والفساد، ويفتح المجال أمام الراغبين في الإسلام دون خوف من اضطهاد أو فتنة١.
وأخيرا وضع النظام الاقتصادي الذي سوف تقوم عليه الدولة الجديدة.
١ ولكن في هذا نظر؛ لأن من تكلم عن الأسس تلك، أراد التي فعلها ساعة دخوله المدينة، بخلاف الأشياء التي ذكرها المؤلف فمتأخرة على وقت الدخول. كما سيأتي.