كان العام التاسع الهجري في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- مناط الفخر وذروة القوة، ففيه خرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى تبوك على مشارف الشام، ليلتقي بدولة الروم التي كانت تهدد حدود الجزيرة العربية، فتهيب الروم لقاءه، ولاذوا بالفرار ليتحصنوا داخل بلادهم، فكان هذا النصر الأبيض١ على دولة الروم العظيمة تطورًا كبيرًا وتحولًا عجيبًا يعتز به المسلمون في تاريخهم.
وفيه تتابعت الوفود من سائر الجزيرة العربية لتعلن الولاء والطاعة للرسول -صلى الله عليه وسلم- ولتؤمن مستقبلها قبل أن يصل إليها المد الإسلامي ويكتسحها تياره القوي، وكانت هذه الوفود في كثرتها وتتابعها حَرِيّة بأن تجعل هذا العام عام الوفود، كما كانت هذه الوفود هي الثمرة الطبيعية لكفاح المسلمين الطويل، لأنها البرهان الواضح على أن صوت الإسلام قد أصبح مسموعًا في كل مكان، وأن الناس حينما سمعوه واطمأنوا إليه لبوا النداء واستجابوا للدعاء.
وإذا كان من حق القارئ أن يتعرف على هذه الوفود، فإن من واجبنا أن نتحدث عنهم لأنهم كانوا -في جملتهم- سفراء أمناء حملوا رسالة الحق من الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبلغوها كاملة إلى أهلهم وذويهم، فشرح الله صدورهم للإسلام، ودخلوا في دين الله أفواجًا..