للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نصيبًا فنحن معك، وأنه جلس في بيته حتى إذا أمسى أتاه جبريل فعرض النبي -صلى الله عليه وسلم- سورة النجم. فقال جبريل: أو جئتك بهاتين الكلمتين؟ مشيرًا إلى: "تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى". فقال محمد -صلى الله عليه وسلم- حينئذٍ: "لقد قلت على الله ما لم يقل ... "، ثم أوحى الله إليه: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً، وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً، إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً} ١.

وبذلك عاد يذكر آلهة قريش بالشر ويسبهم، وعادت قريش لمناوأته وإيذاء أصحابه.

تلكم هي قصة الغرانيق في جملتها، وهي قصة واضحة الكذب، ولغة الوضع فيها ظاهرة ... ولذلك لم تنطل على كثير من العلماء والثقات أمثال محمد بن إسحق٢ والقسطلاني٣، فقالوا عنها: إنها من وضع الزنادقة. ولعل بعض المؤرخين الذين أثبتوها كانوا يؤمنون بفسادها، ولكنهم وضعوها في كتبهم لاستيفاء جميع الروايات التي وردت في الموضوع الذي يتعرضون له، مطمئنين إلى فطنة القارئ ويقظته. ولعلها دست إلى بعض هذه الكتب بعد موت أصحابها٤ ...

وحسبنا في إبطال هذه القصة، أن نقرأ الآيات القرآنية في سورة النجم، لنرى


١ سورة الإسراء، الآيات ٧٣-٧٤-٧٥.
٢ انظر كلامه في "فتح القدير" ٣/ ٤٤٧، و"تفسير الرازي" ٦/ ١٩٣، و"تفسير الآلوسي" ١٧/ ١٦١، و"الفتح" ٨/ ٣٥٤.
٣ قاله في "عمدة القاري" ٩/ ٤٧.
٤ هذا بعيد جدًّا، بل هو جهل مستطير، وقول مثل هذا بلا بينة، وحجة ماضية، يبطل كل ما جاء في الكتب لمجرد الدعوى.

<<  <   >  >>