للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستمرت هذه المقاطعة المروعة ثلاثة أعوام متتابعة لم يجرؤ أحد من بني هاشم وبني المطلب خلالها أن يدخل مكة، ومع ذلك فقد ضربوا أروع الأمثال في الصبر والاحتمال، وكان أبو طالب يعلن قريشًا بأنه سوف يظل مؤيدًا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- مهما بلغت التضحيات وعظمت المتاعب، ويروى عنه أنه قال في وسط هذه المحنة:

فلسنا ورب البيت نسلم أحمد ... لعزاء من عض الزمان ولا كرب

ولسنا نمل الحرب حتى تملنا ... ولا نشتكي ما قد ينوب من النكب

ولكننا أهل الحفائظ والنهى ... إذ طار أرواح الكماة من الرعب١

ثم أذن الله لهذا الليل الطويل بالانتهاء، فقام خمسة من كرام الرجال هم:

هشام بن عمرو وزهير بن أمية والمطعم بن عدي وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود، فشقوا صحيفة هذه المقاطعة وأعلنوا نقضها٢.


١ ومن عجيب ما وقع في هذه الأبيات من هذه القصيدة، ما جاء في أوائلها:
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدًا ... نبيًّا كموسى خط في أول الكتب
وانظر "سيرة ابن هشام" ١/ ٣٧٧-٣٧٨-٣٧٩. و"الروض الأنف" ٢/ ١٠٢-١٠٣.
٢ وقد ذكر ههنا ابن إسحاق وغيره في سبب نقض الصحيفة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي طالب: "يا عم إن الله قد سلط الأرضة على صحيفة قريش، فلم تدع فيها اسمًا هو لله إلا أثبتته فيها، ونفت منها الظلم والقطيعة والبهتان".
فقال أبو طالب: أربك أخبرك بهذا؟
قال: "نعم".
قال: فوالله ما يدخل عليك أحد، ثم خرج إلى قريش وقال: إن ابن أخي أخبرني بكذا وكذا، فهلم صحيفتكم، فإن كانت كما قال فانتهوا عن قطيعتنا وانزلوا عنها، وإن كان كاذبًا دفعت إليكم ابن أخي.
فقال القوم: رضينا.
ثم وجدوا الصحيفة على ما قال رسول -صلى الله عليه وسلم- فزادهم ذلك شرًّا، "سيرة ابن هشام" ١/ ٣٧٩، و"البداية" ٣/ ٩٧، و"دلائل النبوة" للبيهقي ٢/ ٣١٤ وغير ذلك.

<<  <   >  >>