للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كل مكان، وتتبعوا آثاره وأخباره حتى كادوا ينبشون الجبال، ويسألون الحصى والرمال.

وكان من أكثرهم حرصًا وتلهفًا على الظفر بهذه الجائزة الكبرى رجل من بني مدلج يقال له: سراقة بن مالك، وكان قد سمع من بعض المسافرين القادمين من مكة أمارات واضحة تدل على الطريق الذي يسير فيه محمد وأصحابه، وكان عددهم أربعة، فأخذ يضلل السامعين ويعمي عليهم حتى يظفر وحده بالإبل المائة، ويظفر إلى جوار ذلك بالفخر أمام أهل مكة الذين أعياهم البحث عن محمد -صلى الله عليه وسلم- واستسلموا في النهاية إلى اليأس والفشل.

وقد جهز الرجل عدته وسلاحه وامتطى فرسه وانطلق يعدو ميممًا الطريق والمكان الذي توقع فيه ضالته المنشودة، حتى أصبح على مرمى البصر من محمد -صلى الله عليه وسلم- ومرافقيه. ويقول سراقة إن فرسه عثرت به ثلاث مرات، وفي المرة الثالثة ساخت قوائمها في الرمال، فانتزعها من الأرض فتصاعد منها دخان كالإعصار وحينئذ فزع سراقة، وأدرك أن سرًا عجيبًا وعناية خاصة تحيط بهؤلاء الناس، وأنه إن استمر في طلبهم فسوف يسعى إلى حتفه بظلفه، فناداهم قائلا: أنا سراقة بن جعشم، انظروني أكلمكم، فوالله لا أرينكم ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه. فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر: قل له: "وماذا تبتغي منا"؟ فقال ذلك أبو بكر، فأجابه سراقة: أريد أن تكتب لي كتابًا يكون آية بيني وبينك. قال: اكتب له يا أبا بكر. فكتب له كتابا بما طلب ثم ألقاه إليه١.


١ وعده بهذا الكتاب بأشياء، نفذها له فيما بعد، ولفظ البخاري ٣٩٠٦ لذلك: قال سراقة: فسألته أن يكتب لي كتاب موادعة آمن به، فأمر عامر بن فهيرة فكتب لي رقعة من أدم، ثم مضى ... وكونها في البخاري لا نطيل بتخريج القصة، لكن من أراد الاستقصال، فلينظرها في فتح الباري ٧/ ٢٣٨ ففيه ذكر تفاصيل أخرى.
ولينظر كذلك دلائل النبوة للبيهقي ٢/ ٤٨٣ وما بعدها، ومسند أحمد ١/ ٢، والمعرفة والتاريخ ١/ ٢٣٩ للفسوي، والسيرة للصالحي ٣/ ٣٤٥، و"سيرة ابن هشام" ٢/ ١٠٢ وغير ذلك.

<<  <   >  >>