للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ... فارحم الأنصار والمهاجرة١

وقد ضاعف من حماس الصحابة في العمل أنهم رأوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعمل بنفسه كواحد منهم ويكره أن يتميز عليهم فارتجز بعضهم هذا البيت:

لئن قعدنا والرسول يعمل ... لذاك منا العمل المضلل٢

وهكذا تم بناء المسجد في جو يملؤه الإيمان وتشيع فيه الأخوة والمساواة.

ولم يكن المسجد على عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- مكانا للصلوات فحسب، وإنما كان مدرسة للتعليم والتهذيب أستاذها ومعلمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وطلابها هم أصحابه الأبرار -رضوان الله عليهم- وكان محكمة للقضاء بما أنزل الله، يفصل فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو من ينيبه بين المتخاصمين، وكان دارا للشورى يتداول فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون في أخص شئونهم وأمورهم، وكان مركزا لقيادة الجيش تعقد فيه الألوية للرؤساء والقواد ويزودون بالنصائح والتعليمات. وكان نزلا لاستقبال الوفود والرسل الذين توجههم الدول للقاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهكذا كانت رسالة المسجد في ذلك الوقت رسالة خير وإصلاح وتهذيب.

وقد وردت في فضل المسجد النبوي أحاديث كثيرة، فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تشد الرحال إلى إلا ثلاثة


١ أخرجه البخاري في صحيحه ٣٩٣٢ ومسلم ٢/٣١١، وغيرهما، وانظر قصة بناء المسجد في "طبقات ابن سعد" ١/ ٢٣٩، و"سيرة ابن هشام" ٢/ ١١٤، "تاريخ الطبري" ٢/ ٣٩٥، "الدرر" لابن عبد البر ٨٨، "البداية والنهاية" ٣/ ٢١٤، "عيون الأثر" ١/ ٢٣٥، "دلائل النبوة" للبيهقي ٢/ ٥٣٨ وما بعدها، النويري ١٦/ ٣٤٤، "سبل الهدى" ٣/ ٤٨٥ "المواهب اللدنية" ١/ ٣١٦.
٢ ذكر ذلك ابن إسحاق في السيرة، ونقله عنه ابن كثير في "البداية" ٣/ ٢١٦.

<<  <   >  >>