فهذا أبو دجانة يلبس عصابته الحمراء -وكان يسميها عصابة الموت ويمشي بين صفوف المجاهدين مشية الخيلاء، ويراه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيقول: إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن.
وقد نزل إلى الميدان بعد أن أخذ السيف من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأخذ ينشد:
أنا الذي عاهدني خليلي ... ونحن بالسفح لدى النخيل
ألا أقوم الدهر في الكيول ... أضرب بسيف الله والرسول
وهو يقصد بالكيول مؤخرة الصفوف، فكأنه يقول: لن أكون أبدًا إلا في المقدمة ما دمت أضرب بسيف الله والرسول، وقد أعمل سيفه في المشركين فألقى في قلوبهم الرعب، وحينما انكشف ظهر المسلمين في آخر المعركة، وأصبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هدفًا لنبال المشركين تترس عليه أبو دجانة، فظل النبل يقع على ظهره -وهو منحنٍ على جسم الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى انجلت المعركة، وهكذا آثر رسول الله على نفسه وأحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر من حبه لنفسه.
وهذا أبو خيثمة، قُتل ابنه في معركة بدر فجاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: لقد أخطأتني وقعة بدر وكنت -والله- عليها حريصًا، حتى ساهمت ابني في الخروج في القرعة فخرج سهمه فرزق الشهادة، وقد رأيت البارحة ابني في النوم في أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها ويقول لي: الحق بنا ترافقنا في الجنة، فقد وجدت ما وعدني ربي حقًّا، ثم قال: وقد أصبحت يا رسول الله مشتاقًا إلى مرافقته وقد كبرت سني ورق عظمي، وأحببت لقاء ربي، فادع الله يا رسول الله أن يرزقني الشهادة ومرافقة ابني في الجنة. فدعا الرسول له، فنال نعمة الاستشهاد في هذه المعركة.