للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد كان هذا الانتصار المفاجئ الذي ظفر به المشركون مشجعًا لهم على المضي في طريق البغي، والإمعان في عداء الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن اتبعه ويتبعه من المسلمين ...

ولا شك أنه قد جال في نفوسهم أن أصنامهم التي يعبدونها من دون الله قد باركت هذه الغزوة، وأنها ستبارك غيرها من الغزوات، حتى يظهر أمرهم وتعلوا كلمتهم، ولقد جرى ذلك على لسان قائدهم أبي سفيان حينما لمع له سراب البطل فاغتر به، ونادى في ظلمات الجهالة موجهًا خطابه للمسلمين قائلًا: اعل هبل، ناسيًا أن الله أعلى وأجل١.

أما القبائل العربية الأخرى في سائر الجزيرة العربية فكانوا -في جملتهم- يعبدون الأصنام، وقد بلغ بهم الحقد -كذلك- على المسلمين نهايته ومداه، فاتخذ بعضهم من الخيانة والخداع سبيلًا لإطفاء ما تنطوي عليه نفوسهم من الغل والضغينة، ومن ذلك ما وقع من قوم ينتسبون إلى بني الهون وكانوا يسكنون بالحجاز بين مكة والطائف. فلقد جاءوا إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أوائل السنة الرابعة من الهجرة وقالوا: يا رسول الله: إنا فينا إسلامًا، فابعث معنا نفرًا من أصحابك يفقهوننا في الدين، ويقرئوننا القرآن، ويعلموننا شرائع الإسلام.

وقد استجاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- لهم، لأنه لم يكن يعلم الغيب، ولم يطلعه الله على ما تنطوي عليه قلوبهم من غدر وخيانة وكفر وضلال، ولأنه كان شديد الحرص على نشر الإسلام وإعلاء كلمته، وظن أن هذا الوفد قد جاء يلتمس النور ويبتغي الخير، فلم يضن عليهم بذلك -وما هو على الخير بضنين- وبعث معهم ستة نفر


١ كما صح ذلك في "البخاري" ٣٨١٧ وغيره من حديث البراء بن عازب أن أبا سفيان قال يوم أحد: اعل هبل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أجيبوه"، قالوا: ما نقول؟ قال: "قولوا له: الله أعلى وأجلّ ... "

<<  <   >  >>